من سنة 1012-1026ه أو من 1603-1617م
ولد هذا السلطان في سنة 998ه، فتولى الملك وهو في الرابعة عشرة من عمره عندما نفي، وقد خالف من تقدمه من السلاطين بقتل إخوتهم كما تقدم.
وولى على مصر «إبراهيم باشا» فحكم فيها مدة قصيرة، انتهت بخطب جسيم؛ وذلك أنه منذ وصوله إليها، عزم على إبطال طلبات الجند. ولما أرادوا إنفاذ ما نواه، زادت الجنود تمردا.
وفي ربيع آخر سنة 1013ه، علموا أن الباشا خرج من القاهرة في زمرة من رجاله، وركب النيل إلى بولاق قاصدا شبرا قرب جسر أبي المنجا. فاجتمعوا في ضواحي القرافة، وتعاقدوا بالأيمان المغلظة على قتله.
وفي الصباح التالي، جاءوا وعسكروا في بولاق ينتظرون عوده، ثم قاموا من هناك يريدون مهاجمته في قلعة الدولاب. وكانوا قد علموا بالتجائه إليها، فلما علم هو ومن معه من السناجقة بقدوم تلك العصابة تشاوروا فيما بينهم. فنصح له السناجق أن يسافر بحرا قبل أن يصل إليه ضيم، فلم يصغ لهم وتشدد.
ثم جاءت الجنود الثائرة وأحاطوا بالقلعة وبعثوا من بينهم 15 رجلا ليأتوا برأس الباشا. فدخل هؤلاء القلعة والسيوف مشرعة في أيديهم حتى جاءوا مجلسه، فانتهرهم قائلا: «ماذا تريدون؟ ألم تستولوا على مرتباتكم والأنعام الذي يعطى اعتياديا عند تولية الحكام عليكم؟ فماذا تطلبون؟» فأجابوه: «لا نطلب شيئا إلا رأسك!» قالوا هذا وصفعه أحدهم على وجهه، وأدركه الباقون بالطعن مرارا. ثم عمد أحدهم إلى رأسه، فقطعه، فانتهرهم «محمد بن خسرو». ووبخهم على ما جاءوا به من القحة فلم يجيبوه إلا بما أجابوا ذاك، وأخذوا رأسي الاثنين، وعادوا بهما إلى رفاقهم حول القلعة. ثم حملوهما، وداروا بهما شوارع المدينة إلى أن علقوهما على باب زويلة (معرض الرءوس!) وكان قد تعود مثل هذا الأكاليل.
وفي ذلك اليوم، أقاموا عليهم «عثمان بك» فلم يقبل، فولوا قاضي العسكر «مصطفى أفندي» فلما علم ديوان الآستانة بقتل «إبراهيم باشا»، أرسل عوضا عنه الوزير «محمد باشا الكورجي» الملقب «بالخادم». وحال وصوله القلعة، وردت الأوامر الصارمة من الباب العالي إلى جميع السناجق أن يستطلعوا أصل الثورة وأسبابها، ويقبضوا على زعمائها، فاجتمع السناجق والقسم الأعظم من الجيش في قراميدان.
وكان الباشا في القلعة، فبعث يستقدم السناجق إليه، ليبلغهم هذه الأوامر رسميا، فرفضوا المثول بين يديه، فتوسط الأمراء، ووعدوا السناجق أنهم إذا سلموا القاتلين نجوا ونالوا العفو العام، فقبلوا وسلموا القاتلين إلى الباشا، فأمر بقطع أعناقهم بين يديه، وأطلق السناجق، فخاف الثائرون، وضعف عزمهم ، ولا سيما لما رأوا من «محمد باشا» التيقظ لحفظ النظام ومعاقبة المعتدين، وقد قتل منهم نحوا من مائتي رجل في مدة محكمه القصيرة التي لم تتجاوز سبعة أشهر وتسعة أيام.
فتولى بعده الوزير «حسن باشا» وهو أقل صرامة من سلفه، فكان يعامل الجند بالحسنى، وكان ابنه فيهم برتبة بكلربكي، وكانت الأحوال هادئة جدا في أثناء حكمه.
ثم تولى بعده الوزير «محمد باشا» في 7 صفر سنة 1016ه، وبقي على حكومة مصر أربع سنوات وأربعة أشهر و12 يوما. وكان حكيما حازما، أخذ منذ وصوله القاهرة في المحافظة على السلام، فنجى الأهلين مما كان يكدر راحتهم، فاكتسب ثقتهم ومحبتهم، إلا أنه لم ينج من الحساد وذوي الأغراض.
Halaman tidak diketahui