Dari Belakang Teropong
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Genre-genre
ونظرت فإذا الرجل يحبس دمعه جاهدا وإذا العرق يلمح في جبينه، وقد أزاح بيده طربوشه عنه وصار يدق بكفه على قبضة عصاه دقات، ويتأوه في صوت خافت، وتدلت شفته السفلى فكشفت عن ثناياه الذهبية التي لاءمت صفرتها صفرة خديه الذابلين الغائرين، والتفت إلى البك الناظر فإذا وجهه رثاء كله لحال الرجل حتى لقد ظننته قبل ابنه؛ ولكنه أشار إلي وقال للرجل: هذا أستاذه فاسمع رأيه فيه ... وحرت والله ماذا أصنع وما أستطيع الكذب ... وفطن الرجل إلى حيرتي وإنه لذو فطنة وكياسة فقال: أنا أعرف كل شيء وما جئت مدافعا كما ذكرت، وإنما عدمت الحيلة فأعينوني على أمري؛ وكدت لعمر الله أبكي وأعود فأقول: لو أنني البك الناظر لغفرت لهذا التلميذ ذنوبه الماضية وذنوب عام قادم معا، أقول ذلك على علم بأنه خروج على ما يسمونه قواعد التربية، ولكن ما الحيلة وأنا رجل ضعيف، وإني أحذر وزارة المعارف أن تجعلني ناظرا أبدا، وإلا أفسدت لها الدنيا ... وإن كنت لأزعم أن ما أصنعه من مغفرة إنما هو إصلاح، وإن خفي ذلك على فحول التربية الذين يسألون التلاميذ وحدهم عن الفساد.
وقال البك الناظر يوجه الكلام إلى الرجل وهو يدق مقبض عصاه ويتأوه: لو كان الأمر أمر ابنك وحده لقبلته من أجل خاطرك، ولكني أبعدت سبعة غيره، وارتاح الرجل لهذه الكلمة، وقال: هذا كلام طيب أشكرك عليه وهو من كرم خلقك، ثم نهض يبتلع ريقه في عسر، ويستجمع نفسه المتقطع وسلم والألم والحسرة في عينيه وملامحه، وخرج من الحجرة يتكئ على عصاه ويكرر عبارات الشكر والتحية ...
وبعد، أفلم يأن لمدارسنا أن تغير أسلوبها، فلا تجعل المسألة يوما يبدأ وينتهي على أية صورة وبرامج تقطع تأهبا لامتحانات فاسدة لا تدل على شيء، ثم لا يبقى بعد ذلك التفات إلى خلق، ولا عناية بتربية، ولا رعاية لمستقبل أمة؟ إن على مدارسنا التبعة قبل الآباء في فساد من تطرد من الفاسدين، وإن علينا أن نصلحهم أجمعين، وإلا فبأي وجه نكون من المربين؟!
صنع في إنجلترة ...
جلسنا نتحدث فمال بنا الحديث فيما مال عن مبلغ شعورنا بقوميتنا، ومبلغ حرصنا على مظهرها، ورحنا نتساءل هل نحن كرماء لضيوفنا حقا، أم أن في الأمر شيئا غير الكرم؟ واحتدم الجدل كالمعتاد وعلت الأصوات، وتشعب الكلام واضطرب نظامه، وضاعت الحجج جميعا سليمها وسقيمها في ذلك الضجيج المتصل، وكانت أشد الدعاوى إيلاما لنفوسنا أننا قوم نتلاشى في غيرنا، ويسهل على أي قوة أن تسوقنا حسبما تريد.
وقطع هذا الضجيج دخول صديق لنا في رفقته شاب أخذ يقدمه إلينا، فحيا وحيينا، ثم جلسنا برهة صامتين، واتجهت أنظارنا إلى هذا الشاب الذي بدأت معرفتنا به، وما هي إلا برهة حتى فطنت إلى أن منظاري قد وقع منه على شخصية أضيفها إلى ما عرفت من أشباهها من الشخصيات، التي لا تكاد تفترق إحداها عن بقيتها في شيء.
وفي نفسي عن هذه الشخصيات التي عرفت معان استيقنتها فما أشك فيها أبدا، بيد أني أميل إلى تبينها في كل شخصية منها، فقد جرى الأمر في ذلك عندي مجرى التسلية، إن جاز أن فيما يؤلم ما يسلي، كما جاز أن في المصائب ما يضحك!
ونظرت فإذا صاحبنا يضطجع في مقعده ويشمخ بأنفه، ورأيته يضع إحدى رجليه على الأخرى أولا، ثم يمدهما معا إلى حيث تستقر قدماه على مقعد خال ونعلاه قبالة الجالسين في غير تحرج ولا استحياء ...
وأدخل يده في جيبه فأخرج «بيبته» وحشاها وأشعلها، وراح ينفخ في الجو من دخانها، دون أن يشاطرنا ما أخذنا فيه من الحديث. وشعرت وشعر أصحابي جميعا بهذا التكبر السخيف، كأننا لم نكن أهلا لمحادثته، ولكن كيف نكون عنده أهلا لذلك، وليس فينا من خرج من مصر، كما تبين له من كلامنا؟
وكانت تختلج على شفتيه ابتسامة ليس فيها إلا معاني السخرية من عقولنا أو قل: من جهلنا، وفي نفسه أننا لا زلنا على عقليتنا الشرقية جامدين ضيقي المعرفة، وتمنيت أن يتكلم لأرى شيئا من عقليته الغربية التي عاد بها من إنجلترة ...
Halaman tidak diketahui