Dari Tingkap
من النافذة
Genre-genre
وإنها لمسكينة معذورة، فما علمها أحد غير ذلك، ولعلها ما كانت لها قدوة غير أم جاهلة.
عرفت فتاة حرة كريمة الأرومة والمنبت، وإن كنت أنا لا أجعل بالي إلى هذه الأصول التي يكثر اللغط بها، ولا أعبأ بها شيئا، ولا أرى الناس إلا سواء، وإن كانوا يبدون متفاوتين أشد التفاوت، وأنا عدو لدود لكل من يرفع طبقة فوق طبقة، ويفرق بين الناس فيقول: هذا كريم الأصل، وهذا لئيمه.
ما علينا. وكانت هذه الفتاة المصرية عصرية مثقفة، وأسلوب حياتها في بيتها على أحدث طراز كما يقولون.
ودعيت إلى الاحتفال بزواجها - أو على الأصح بكتابة العقد - فقد آثر القوم - كما هي العادة - أن يرجئوا ليلة البناء أو الجلوة حتى يعدوا للفتاة ما تجهز به ويحتاج إليه في وجهتها الجديدة. وفي تلك الليلة رأيت ما لا يندر أن يرى مثله؛ ذلك أنهم زوجوا الفتاة هذا الشاب على أن يزوج هو أخاها أخته - بغير مهر في الحالين - وكان هناك طعام وشراب؛ فأما الرجال فكانوا في غرفة وحدهم، وأما النساء فكن في غرفة أخرى، ولكن الباب بين الفريقين مفتوح، وهؤلاء وأولئك يتبادلون الكلام والتحيات والنكات والنظرات، فلا أدري لماذا كان الفصل، إلا أن يكون السبب أن الرجال وضعت أمامهم رواقيد الشراب وحرم النساء مثل ذلك. على أني كنت أشعر أحيانا بغمزة خفيفة، فألتفت فإذا فتاة صغيرة تبتسم لي، ثم تشب - وإن كنت قصيرا كما يعرف القارئ أو لا يعرف - وتهمس في أذني أن فلانة أو علانة ترجو أن أبعث إليها خلسة بكأس، ولا موجب للإطالة، فإن زجاجات الشراب ما لبثت أن صارت تنتقل علانية من غرفة إلى غرفة. ولعل الباب لو كان موصدا لما كان له غناء.
ومرت بي العروس بعد ذلك، فتحدثنا حينا في أمور شتى، إلى أن أفضى بنا الكلام إلى الأزواج، فخطر لي أن هذه فرصة تغتنم وقلت لها: «اسمعي يا عروسنا الجميلة، إني أكبر من أبيك سنا، وأحسبني أيضا أعرف منه بالحياة وأخبر، فإنه لا يعرف من دنياه إلا البيت والمقهى، فهل تقبلين نصيحة مني؟ احذري أن يراك زوجك صباحا أو ظهرا أو مساء - باختصار في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل - في مباذلك أو في ثياب رثة، أو غير جميلة. فإن بيت الرجل موئله، وهو يجب أن يجد فيه ما يشتهي، فلا تحمليه على المقارنة بين ما يراه في بيته من الرثاثة، وما تأخذه عينه في الطريق من مظاهر الجمال والفتنة، فينكر منك ذلك وينصرف عنك، ويزهد فيك، وتتطلع عينيه إلى سواك. واحرصي على تجديد نفسك له بكل وسيلة حتى لا يمل، فإن الملل شر آفة. والمهم أن يجد عندك ومنك كل ما يتطلب، ولا يشعر بحاجة يخطئها أو لا ينالها في بيته ويضطر أن ينشدها خارجه.»
ومضى عامان، ولم أر وجهها في خلالهما، ثم زارتني مرة أخرى، وأخبرتني أن لها في بيت أبيها أياما، وأنها «غاضبة»، فسألتها عن السبب فتلعثمت وتلجلجت، فأعفيتها من الجواب. فقد خمنت السبب في جملته، وعلى وجه العموم، وقلت لها: «هل عملت بما نصحت لك به؟»
قالت: «نعم، بالحرف.»
قلت: «ولا شكوى له أو تأفف أو تبرم من هذه الناحية؟»
قالت: «كلا.»
وقلت: «وتحبينه ويحبك؟»
Halaman tidak diketahui