ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ، والمسيحي: أحبوا أعداءكم، وأي نور يضيء سبل هذا الشرق أكثر من هاتين المنارتين.
عجيب أمرنا والله، نعيش في جحيم الضغن والشحناء لنحتكر فيما بعد السماء ولا نعطي أحدا فيها مكانا يسند إليه رأسه، ومسيحنا يقول في بيت أبي منازل كثيرة، والرسول قال: «لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى». إني أكره الطائفية والتحدث عنها، وقصتي معها أطول من مصيبتنا فيها، فها قد كاد العمر ينصرم وأنا أعالج سرطانها حتى وجدتها أخيرا كما قال الأخطل: «والطائفية» تلقاها وإن قدمت
كالعر يكمن حينا ثم ينتشر
نعم إنها جرب روحاني، ولو كان جسدانيا لهان الأمر، وقلنا مع المتنبي:
يهون علينا أن تصاب جسومنا
إن شر الأمراض ما كان داء دفينا ينتشر كل ما وافقه المناخ، وهذا ما يصيب هذه الديار من موجات الطائفية العارمة، ومتى ظهرت أعراضها في الجماعات قلب كل منهم الترانشكوت وأربدت الأجواء وأنذرت بالصواعق وأجفل القوم كقطعان الغنم، حتى إذا ما نودي بالأمان عادت إلى مرابضها ترعى وتجتر.
إنها ضوضاء نعارة قد ألفناها، ومتى رفعت صوتها أجبناها، وإذا سكتت نسيناها أو تناسيناها، فمتى تفطس ونقيم لها المآتم والنياحات؟
يظهر أنه لا بد للبشر من التخاصم، فإذا لم نتخاصم دولا تخاصمنا مللا، وإذا لم نتشاحن أقطارا تضاغنا أمصارا، وإذا لم يكن لنا هذا ولا ذاك، تعادينا قرى وضياعا، ألسنا من القوم الذين قال فيهم شاعرهم:
وأحيانا على بكر أخينا
إذا ما لم نجد إلا أخانا
Halaman tidak diketahui