قال دعبل: كنت عنده في بعض الأيام أنا وجماعة فأخذنا في الحديث وطال المجلس حتى أضر به الجوع فدعاه بغداه فأتى بصحيفة فيها مرق ولحم ديك قد هرم لا تجز فيه السكين ولا يؤثر فيه ضرس فأخذ قطعة من خبز فحسا بها جميع المرق وفقد رأس الديك فبقي مطرقًا ساعة ثم رفع رأسه إلى الغلام فقال له أين الرأس فقال رميت به قال ولم قال لم أظنك تأكله قال ولم ظننت ذلك والله إني لامقت من يرمي برجله فضلًا عن رأسه والرأس رئيس وفيه الحواس الخمسة ومنه يصيح الديك وفيه عيناه التي يضرب بها المثل فيقال شراب مثل عين الديك ودماغه عجب لوجع الركبة فإن كان بلغ من جهلك أن لا تأكله فعندنا من يأكله فانظر أين هو، فقال والله لا أدري أين رميت به، فقال لكن أنا أدري اين رميت به.. في بطنك.
وكان أيضًا لا يأكل اللحم حتى يجوع فإذا جاع أرسل غلامه فاشترى له رأسًا فأكله فقيل له لا نراك تأكل إلا الرءوس في الصيف والشتاء فلم تختار ذلك فقال نعم الرأس أعرف سعره فلا يستطيع الغلام أن يخونني فيه وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه إن مس عينًا أو اخذ أذنًا وقفت على ذلك وآكل منه ألوانًا شتى، آكل عينيه لونًا ودماغه لونًا ولسانه لونًا فقد اجتمعت لي فيه مرافق.
نادرة: قال أبو حاتم الأصمعي قدمت بغداد فدخلت مسجدًا يحضره جماعة فسألني بعضهم عن قوله تعالى: (يوجد آية) ما يقول للواحد قلت "ق" قال فالاثنين قلت "قيا" قال فللجماعة قلت "قوا" قال فاجمع الثلاثة قلت قِ قيا قوا وفي ناحية المسجد جماعة فمضوا إلى صاحب الشرطة فقالوا له إن هنا قومًا زنادقة يفسرون القرآن على صياح الديك فما شعرنا إلا بأعوان فأحضرونا بين يديه فأعلمته ما سئلت فعنفي وأمر بضرب أصحابي عشرة عشرة.
وما أحسن قول بعضهم فيه:
قد قلت شعرًا مليحًا ... فسره لي يا مليكي
أكلت ديكًا وديكًا ... وليس لي غير ديك
وقال ابن المعتز فيه (مولده سنة سبع وأربعين ومائتين، ووفاته سنة ست وتسعين ومائتين):
بشر بالصبح طائر هيفًا ... مسترقيا للجدار مشترفا
مذكرًا بالصبوح صاح بنا ... كخاطب فوق منبر وقفا
صفق أما ارتياحه لسنا الصب؟ ...؟ح وأما على الدجى أسفًا
ولله أبو علي بن رشيق (توفي سنة وستين وأربعمائة) حيث مزق عنه جلباب الممادح وتركه من شمل الذم في الزي الفاضح فإنه قال:
قام بلا عقل ولا دين ... يخلط تصفيقًا بتأذين
منبه الأحباب من نومهم ... ليخرجوا في غير ما حين
بصرخة تبعث موتي الكرى ... قد أذكرت نفح سرافين
كأنها في خلفه عضة ... أعضه الله بسكين
وقال الشيخ زين الدين بن الوردي من رسالة منطق الطير فصاح الديك هاأنا أناديك أنا قد أذنت فأقم الصلاة أنت هذا أوان صف الإقدام ووضع الحياة ومن أحسن قولًا ممن دعى إلى الله كم أوقظك وبانقضاء الأوقات أعظك فأشفق عليك بصياحي وأرفرف عليك بجناحي أقسم لك الوظائف بلا حساب وأعرف المواقيت بغير الاصطرلاب أنهاكم عن معصية الله بخروج الوقت فلا تعصوه والله بقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فمن أدعى حسن الصحبة، فليؤثر كإيثاري ولا يختص من رفاقه بحبه كم منحت أهل الدار أخائي ووليتهم ولائي وهم يذبحون أبنائي ويستحيون نسائي.
الباب الثالث عشر
في الشطرنج والنرد وما فيهما من محاسن مجموعة
1 / 33