لطيفة: ذكرها الحريري في كتابه الموسوم بتوشيح البيان أن أحمد بن المعدل كان يجد بأخيه عبد الصمد وجدًا شديدًا على تباين طريقتهما لأن أحمد كان صوامًا قوامًا وكان عبد الصمد سكيرًا خميرًا وكانا يسكنان دارًا واحدة ينزل أحمد في غرفة أعلاها وعبد الصمد أسفلها فدعا عبد الصمد ذات ليلة جماعة من ندمائه وأخذ في القصف واللات والعزف حتى منعوا أحمد الورد ونغصوا عليه التهجد فاطلع عليهم وقال: ﴿أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض﴾ فرفع عبد الصمد رأسه وقال: ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم﴾ .
قلت: وعلى ذكر الغرفة فا ألطف ما ذكره علاء الدين الوداعي في تذكرته قال: رأيت مكتوبًا على غرفة يصعد منها إلى سطح قبة الصخرة المقدسة قوله تعالى: ﴿أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلامًا﴾ فعجبت من اتفاقها وكأني لم أسمعها، ورأيت أيضًا في طاقة زجاج بقبر طالوت ﵇ بسفح قاسيون قوله تعالى: ﴿الله نور السموات والأرض﴾ وهذا من عجيب ما يكتب على طاقة زجاج.
نادرة: كان بعضم في دار بكري فقال لصاحبها اعمر لي السقف فإنه يفرقع إذا مشينا عليه فقال لا بأس عليك فإنه يسبح الله، فقال أخشى أن تدركه الرقة فيسجد.
وطلب بعضهم دارًا للكرى فدلوه على دار فدخل غيرها فوجد واحدًا ينيك أمرد فاستحى وقال هل عندكم دار للكرى فقال له ما أحمقك نحن من الضيق بعضنا على بعض.
كان بعض النحويين له مال كثير وليس له سكن يأوي إليه فقيل ابن بيتًا، فقال والله لا بنيت ما اتفق النحويون على إعرابه.
ومما قاله المرحوم القاضي فتح الدين بن الشهيد الذي كان مولده بالرملة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وقد توفي مقتولًا بالقاهرة سنة ثلاث وتسعين سبعمائة وكتبه على عمارة له:
بنيت على وقف المكارم والعلى ... فللفتح أبوابي وصدري للضم
سناالملك يبدو في موشح زينتي ... ومن أجل ذدار الطراز على كمي
ومما كتبه على الرفرف قوله:
رفعت كماشا الترفه رفرفًا ... أزين سمائي بل أزين سماحي
فلا بدع أن الناس يهوون بهجتي ... ويمشون في ظلي وتحت جناحي
الباب الثاني
في أحكام وضعه وسعة بنائه وبقاء الشرف والذكر ببقائه
وروي أن عمر بن الخطاب ﵁ لما بلغه أن سعدًا وأصحابه بنوا بالمدر كتب: أكره لكم البنيان بالمدر فإذا فعلتم فعرِّضوا الحيطان وأطيلو السُّمك وقاربوا بين الخشب.
ولما بنى معاوية داره بدمشق باللبن دخلها وفد من الروم فقالوا ما أحسن ما بناها للعصافير فهدمها وبناها بالحجر.
ورأى بعضهم رجلًا قد بنى حائطًا بالحجر وهو يبيضه فقال هذا يستر الذهب بالفضة.
وحكى أن يحيى بن خالد كان جالسًا للقصص فرفعت إليه قصة متظلم من بعض عماله فقربه وسأله عن ظلامته، فقال له إن عاملك فلانًا ظلمني وأخذ مالي واغتصب صنيعتي وهدم شرفي، فقال له فهمت جميع ما ذكرته إلا قولك هدم شرفي فما معناه، فقال له أنا من أبناء فارس كانت لي ضيعة وبالقرب منها قصر على الطريق فيه سقاية ينزلها الناس ويسقون منها ويذكرون بانيها ويترحمون عليه فغصبني الضيعة وهدم القصر فأمر يحيى بالكتابة إلى العامل أن ترد عليه ضيعته وجميع ما أخذته منه وتبني القصر حتى ترده على هيئته كما كان، وقال لبنيه ابنوا فإذن الذكر والشرف باقيان ببقاء البنيان.
وقيل لأبي الدهمان أين دارك؟ فقال إذا دخلت سكة بني العنبر فالدار التي تدل على شرف أهلها داري.
وعلى ذكر السؤال ما أحسن ما ذكره ابن رشيق في الأنموذج أن عبد الرحمن بن محمد الفراسي جلس مع بعض شيوخ يونس وكان الشيخ نهاية في المجون فاجتاز بهم رجلًا يسأل عن دار ابن عبدون فأقبل الشيخ عليه فقال هي في تلك الرابعة حيث يقوم أيرك فقال الفراسي لأنظمنه، فما رأيت مثل هذا المعنى، وأنشد من وقته:
إن شئت أن تعرف عن صحة ... داري التي تعزى لعبدونه
فامش فإن أيرك أبصرته ... قام فإن الباب من دونه
وقد عكس الشيخ صلاح الدين الصفدي (ومولده سنة أربع وتسعين وستمائة ووفاته سنة أربع وستين وسبعمائة) هذا المعنى فقال:
أقول لمن يسائل عن محلي ... تقدم وامش من خلف السواري
ومر فحيثما تلقى حكاكًا+بسرمك لا تعد فثم داري
1 / 2