زعموا أن ظواهر الشريعة [٥] وأكثر ما جاءت به الرسل من الأخبار عما كان ويكون من أمور الآخرة والحشر والقيامة والجنة والنار، ليس منها شيء على مقتضى لفظها، ومفهوم خطابها، وإنما خاطبوا بها الخلق على جهة المصلحة، إذ لم يمكنهم التصريح لقصور أفهامهم١؛ فمضمن٢ مقالاتهم إبطال الشرائع، وتعطيل الأوامر والنواهي، وتكذيب الرسل والارتياب فيما أتوا به. وكذلك نكفر من ذهب مذهب بعض القدماء في أن [في] ٣ كل جنس من الحيوان نذيرا ونبيا من القردة والخنازير والدواب والدود [ويحتج بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ٤﴾ [النور: ٣٥] إذ ذلك يؤدي إلى أن توصف أنبياء هذه الأجناس
_________
١ يقول ابن سينا "أما أمر الشرع فينبغي أن يعلم فيه قانون واحد، وهو أن الشرع والملل الآتية على لسان نبي من الأنبياء يرام بها خطاب الجمهور كافة. ثم من المعلوم الواضح، أن التحقيق الذي ينبغي أن يرجع إليه في صحة التوحيد من الإقرار بالصانع موحدا مقدسا؛ ممتنع إلقاؤه إلى الجمهور. ثم لم يرد في القرآن من الإشارة إلى هذا الأمر الأهم شيء، ولا أتى بصريح ما يحتاج إليه من التوحيد بيان مفصل، وإذا كان الأمر في التوحيد هكذا، فكيف فيما هو بعده من الأمور الاعتقادية" باختصار عن رسالة الأضحوية لابن سينا من ص٤٤.
وهكذا يدين الفلاسفة ومخانيثهم الصوفية بأن ليس في القرآن ما يهدي النفس إلى التوحيد أو يبين للفكر ما يجب اعتقاده في الله، وغير هذا من الأمور التي هي قوام الدين وملاكه. يدينون بهذا الإلحاد، ويقررونه في كتبهم في جرأة بالغة السفه والقحة والجحود بآيات الله التي تقرر في جلاء وإشراق ما يجحد به الفلاسفة.
٢ في الأصل: فمضمون، وهي كما أثبتها في الشفاء.
٣ ساقطة من الأصل. وأثبتها عن الشفاء.
٤ القائلون بهذا هم الحائطية أتباع أحمد بن حائط، أحد أصحاب النظام =
1 / 27