على أن عليا ظل منتصرا - رغم كل هذه الدسائس - وكاد يتم له الأمر لولا حيلة ابن العاص التي لجأ إليها أخيرا، حين رفع المصاحف ودعا عليا إلى التحكيم، فافترق أصحابه شيعا، ودب في صفوفهم دبيب الشقاق والفتنة، وانتهى الأمر بمصرعه المروع. (2) ليلة المصرع وساعة الهول
قال محمد بن الحنفية: «كنت والله، وإني لأصلي تلك الليلة التي ضرب فيها علي، في المسجد الأعظم - في رجال كثير من أهل المصر - يصلون قريبا من السدة، ما هم إلا قيام وركوع وسجود، وما يسأمون، من أول الليل إلى آخره، إذ خرج علي لصلاة الغداة ، فجعل ينادي: «أيها الناس، الصلاة، الصلاة»، فما أدري أخرج من السدة فتكلم أم لا.
فنظرت إلى بريق وسمعت: «الحكم لله يا علي، لا لك ولا لأصحابك!» فرأيت سيفا، ثم رأيت ثانيا، ثم سمعت عليا يقول: «لا يفوتنكم الرجل!» وشد الناس عليه من كل جانب.
قال: «فلم أبرح حتى أخذ «ابن ملجم» وأدخل على «علي»، فدخلت - فيمن دخل الناس - فسمعت عليا يقول: «النفس بالنفس» إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي!» (2-1) وصاياه قبل موته
وقبل أن تفيض روحه الطاهرة إلى بارئها، نقية بارة رسم لبنيه صورة يحتذونها، أوجز ما نصفها به أنها تمثل منزعه، وتصف ما امتازت به نفسه من خلال عالية وأخلاق سامية فريدة، هي جماع الفضائل:
قالوا: إن أحد الناس قد دخل عليه فسأله: «يا أمير المؤمنين، إن فقدناك - ولا نفقدك - فنبايع الحسن؟»
فقال: «ما آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر!»
فرد عليه مثلها.
فدعا حسنا وحسينا، فقال: «أوصيكما بتقوى الله، وألا تبتغيا الدنيا - وإن بغتكما - ولا تبكيا على شيء زوى عنكما، وقولا الحق، وارحما اليتيم، وأغيثا الملهوف، واصنعا للآخرة، وكونا للمظلوم ناصرا، واعملا بما في الكتاب، ولا تأخذكما في الله لومة لائم.» قالوا: ثم نظر إلى محمد بن الحنفية، فقال: «هل حفظت ما أوصيت به أخويك؟» قال: «نعم!»
قال: «فإني أوصيك بمثله، وأوصيك بتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك فاتبع أمرهما، ولا تقطع أمرا دونهما!»
Halaman tidak diketahui