Masalah Kubra
المأساة الكبرى: رواية تشخيصية في الحرب الحاضرة
Genre-genre
الإمبراطور (للمستشار) :
بقي علي أن أعرف رأيك - أيها المستشار الحكيم - فيما لو شهرت الحرب علينا، أو على فرض أنا اضطررنا نحن إلى شهرها، كيف تستقبل ذلك الأمة؟
المستشار (للإمبراطور) :
مولاي، إن تربية الأمة الألمانية في عهد ولايتكم الزاهرة لم تبق لها إرادة غير إرادة قيصرها العظيم، وحتى لو كان لها ذلك، فالقوة العسكرية لا تسمح لها بأن تتنفس إلا على هوى السلطة الحاكمة، والجند لا يطلب إلا خوض المعامع لنيل الشرف الأثيل على حد الظبى، وهو واقف يتطلع إلى حركات جلالتكم كالمستسقي يستطلع الغيث من مهاب الريح، فإذا نشبت الحرب، وكان لا بد من خوضها، رأت جلالتكم الأمة كلها واقفة لها على قدم وساق مقبلة عليها إقبال الظمآن على الغدير.
الإمبراطور (للجميع) :
هذا كاف الآن، فانصرفوا، وإياكم أن تبوحوا بشيء من ذلك لأحد، ولا سيما للصحف، وليبق هنا مستشاري الخاص وحده. (ويلتفت إلى ولي عهده.)
وأنت كن كتوما هذه المرة، وسيكون لك ما تحب. (يخرج الجميع، ويقف المستشار صامتا ينتظر أوامر الإمبراطور.) (والإمبراطور يمشي في القاعة متمهلا مطرقا، ويداه وراء ظهره، ثم يرتد إلى مستشاره ويقف أمامه، ويده «المشلولة» على قبضة سيفه، ويقول له وهو يحدق فيه):
الإمبراطور (للمستشار) :
الحرب واقعة لا محالة، متى تم الاستعداد لأعدائنا. وقد انتبهوا اليوم، وأخذوا يستعدون، ومن الحكمة كما في المثل «أن نتغداهم قبل أن يتعشونا» ما دمنا نحن مستعدين وهم غير مستعدين، ولا بد من إشراك حليفتنا النمسا معنا فيها ضرورة، فيجب أن نضطرها إليها اضطرارا، فاذهب الآن، وأرني حكمتك، وتذكر خاصة بسمارك. (يذهب الجميع، ويبقى الحكيم وحده ويجلس حزينا ويندب): الحرب واقعة لا محالة، يا للمصيبة! ويا لحرب ستشيب من هولها الولدان! ويا للخراب! إنها ستكون حربا لم يشهد العالم نظيرها في التفظيع والتدمير، الناس اليوم بالعلم أنوفون شديدو الشكيمة، وإخضاعهم ليس بالأمر السهل، والمقاومة الشديدة ستثير الوحش الرابض من مكمنه في النفوس، والعدة اليوم طاحنة تقوض الجماد، وتحرق النبات، وتزهق الأرواح، هو في أطماعه مستهوى، فهو لا يدري الأضرار التي ستحيق بالعالم بسبب هذه الحرب، أو هو يدري ولكنه لا يدري أنها ستحيق به وبأمته مهما تكن نتيجتها له، فكيف بها إذا كانت عليه؟ مصالح الناس اليوم مشتبكة، فلم تبق فواصل بين الممالك فيها، يدعي أن الدول تتحفز للوثوب عليه، مع أنها حتى اليوم غافلة عنه، وهي اليوم إذا انتبهت وأظهرت شيئا من الاهتمام بأمر الحرب؛ فلاتقاء شر استعداداته الهائلة، ويا ليتها كانت مستعدة لها نظيره؛ لكان الخوف منها يمنعه عنها. التوازن ضروري في كل شيء، وإلا وقع الاضطراب، هو لو عمل بمبادئ المدنية الصحيحة التي يرمي إليها العلم اليوم؛ لاتخذ الدول الراقية صديقات لا عدوات، ولسهل عليه حينئذ الاتفاق معها على ما يكسر من شوكة الحروب، ويؤيد سلطان السلم، ويمد بساط المدنية، وكان له بذلك من الفخر المؤثل الأكيد ما هو فوق ما يحلم به من ذلك الفخر الموهوم والمطعون فيه اليوم، ولجد ليحصر التنازع بين الأمم الراقية فيما يعمر، لا فيما يدمر. أوروبا الراقية يجب أن تكون اليوم ممالك متحدة، إن لم تكن صورة فمعنى؛ لتتناصر في العمارة والعلم، وهو يريد أن يثير بينها الحروب ليثير بينها الضغائن والأحقاد، كل ذلك منه طمعا في أن يخضعها لسلطانه، بقية نعرة من عصور الهمجية في رءوس بعض البيوت القديمة المالكة، كأنها في مطامعها الهمجية عائشة واقفة لا تسير مع العصر، ومن نكد الدنيا أنها تجد في كل مجتمع راق أو منحط نصراء لها على أنفسهم، هؤلاء هم «بقر» الاجتماع، لم يبق أمل إلا أن تكون أمته أرقى منه في أفكارها، وأعقل في مطامعها، وهي التي نالت بعملها واجتهادها مركزا ممتازا في العمران، فتنتقض عليه إذا صح ما ينوي وشهر الحرب، وتكون قدوة الأمم في معرفة المصالح العمرانية المشتركة واحترامها، ولكن الأمل قليل وهؤلاء رجاله المختارون من الأمة قد أعمتهم العبودية، وإذا كان ذلك طبعا في الأمة؛ فالطبع أغلب، وكأنه هو يريد أن يخدع الأمة، ويصور لها بأنها المعتدى عليها؛ ليحقق بها حلمه الجنوني، فيا للجناية!
الفصل الثاني
Halaman tidak diketahui