وهو الذي سهل علم الكلام، ويسره وذلله، وكان مع ذلك فقيها، ورعا، زاهدا، جليلا، نبيلا، ولم يتفق لأحد من اذعان سائر طبقات المعتزلة له بالتقدم والرئاسة بعد أبي الهذيل مثله، بل ما اتفق له هو أشهر أمرا، وأظهر أثرا. وكان شيخه أبا يعقوب الشحام، ولقى غيره من متكلمي زمانه، وكان على حداثة سنه، معروفا بقوة الجدل.
حكى القطان، أنه اجتمع جماعة لمناظرة، فانتظروا رجلا منهم، فلم يحضر، فقال بعض أهل المجلس: أليس هنا من يتكلم؟ وقد حضر من علماء المجبرة رجل يقال له صقر، فاذا غلام أبيض الوجه زج نفسه في صدر صقر وقال له:
«أسألك»، فنظر إليه الحاضرون، وتعجبوا من جرأته مع صغر سنه، فقال له: «سل»، فقال: «هل الله تعالى يفعل العدل؟» قال: «نعم» قال: «أتسميه بفعله العدل عادلا؟» قال: «نعم»، قال: «فهل يفعل الجور؟» قال: «نعم»، قال: «أفتسميه جائرا؟» قال: «لا»، قال: «فيلزم أن لا تسميه بفعله العدل عادلا». فانقطع صقر.
وجعل الناس يسألون من هذا الصبي؟ فقيل: هو غلام من جباء. قيل:
Halaman 68