[60] فقد تبين من جميع ما بيناه أن البصر إنما يحس بالضوء واللون اللذين في سطح المبصر من صورة الضوء واللون اللذين في سطح المبصر التي تمتد من المبصر إلى البصر في الجسم المشف المتوسط بين البصر والمبصر، وأن البصر ليس يدرك شيئا من الصور التي ترد إليه إلا من سموت الخطوط المستقيمة التي تتوهم ممتدة بين المبصر وبين مركز البصر فقط التي هي أعمدة على جميع سطوح طبقات البصر، وذلك ما أردنا أن نبين.
[61] وهذا هو كيفية الإبصار بالجملة. لأن البصر ليس يدرك من المبصر بمجرد الحس إلا الضوء واللون اللذين في المبصر فقط، فأما باقي المعاني التي يدركها البصر من المبصر كالشكل والوضع والعظم والحركة وما أشبه ذلك فليس يدركها البصر يمجرد الحس وإنا يدركها بقياس وأمارات، ونحن نبين هذا المعنى من بعد بيانا مستقصى في المقالة الثانية عند كلامنا في تفصيل المعاني التي يدركها البصر. وهذا المعنى الذي بيناه، أعني كيفية الإبصار، موافق لرأي المحصلين من أصحاب العلم الطبيعي وموافق للمتفق عليه من رأي أصحاب التعاليم. وقد تبين منه أن القبيلين محقان وأن المذهبين صحيحان ومتفقان غير متناقضين، إلا أنه ليس يتم أحدهما إلا بالآخر ولا يصح أن يتم الإحساس بأحدهما دون الآخر، ولا يصح أن يكون الإبصار إلا بمجموع المعنيين.
[62] والخطوط التي وصفناها هي التي يسميها أصحاب التعاليم خطوط الشعاع، هي خطوط متوهمة فقط من سموتها فقط يدرك البصر صور المبصرات. فالإحساس إنما هو من الصورة وهو من تأثير الصورة في البصر ومن انفعال البصر بتأثيرها. والبصر متهييء للانفعال بهذه الصور، ومتهييء للانفعال على وضع محسوس وهو وضع سموت الأعمدة التي تقوم على سطحه فليس يحس بصور المبصرات إلا من سموت الأعمدة فقط، وإنما طبيعة البصر متخصصة بهذه الخاصة لأنه ليس تتميز المبصرات وتترتب أجزاء كل واحد من صور المبصرات عند البصر إلا إذا كان إحساسه بها من هذه السموت فقط. فخطوط الشعاع هي خطوط متوهمة تتشكل با كيفية الوضع الذي عليه ينفعل البصر بالصورة.
Halaman 160