[58] وإذا كان ليس يصح أن يخرج من البصر جسم يحس بالمبصر، وليس يصح أن يحس بالبصر شيء غير الجسم الحي، لم يبق إلا أن يظن <أن> ذلك الشيء الذي يخرج من البصر إلى المبصر يقبل شيئا ويؤديه إلى البصر. وإذا كان قد تبين أن الهواء والأجسام المشفة تقبل صورة المبصر وتؤديها إلى البصر وإلى كل جسم يقابل المبصر فذلك الشيء، الذي يظن أنه يؤدي إلى البصر شيئا من المبصر إنما هو الهواء والأجسام المشفة المتوسطة بين البصر والمبصر. وإذا كان الهواء والأجسام المشفة تؤدي إلى البصر شيئا من المبصر في كل وقت وعلى تصاريف الأحوال إذا كان البصر مقابلا للمبصر من غير حاجة إلى خروج شي ء من المبصر فقد بطلت العلة التي دعت أصحاب الشعاع إلى القول بالشعاع. لأن هذا الذي دعاهم إلى القول بالشعاع هو اعتقادهم أن الإبصار لا يتم إلا بشيء يمتد بين البصر والمبصر ليؤدي إلى البصر شيئا من المبصر. وإذا كان الهواء والأجسام المشفة المتوسطة بين البصر والمبصر تؤدي إلى البصر شيئا من المبصر من غير حاجة إلى شي ء يخرج من البصر، وهي مع ذلك ممتدة بين البصر والمبصر، فقط سقطت الحاجة إلى إثبات شي ء آخر يؤدي إلى البصر شيئا، ولم تبق علة تدعوهم إلى أن شيئا مظنونا يؤدي من المبصر شيئا إلى البصر. وإذا لم تبق علة تدعو أصحاب الشعاع إلى القول بالشعاع فقد بطل القول بالشعاع.
[59] وأيضا فإن جميع أصحاب التعاليم القائلين بالشعاع إنما يستعملون في مقاييسهم وبراهينهم خطوطا متوهمة فقط ويسمونها خطوط الشعاع. وهذه الخطوط هي التي بينا أن البصر ليس يدرك شيئا من المبصرات إلا من سموتها فقط. فرأي من رأى أن خطوط الشعاع هي خطوط متوهمة هو رأي صحيح، وقد بينا أنه ليس يتم الإبصار إلا بها. ورأي من رأى أنه يخرج من البصر شيء غير الخطوط المتوهمة هو رأي مستحيل، وقد بينا استحالته بأنه ليس يشهد به وجود ولا تدعو إليه علة ولا تقوم عليه حجة.
Halaman 159