بنفس غيرك! وبحسبك أن يكون لك من أخيك أكثره، وقد قالت الحكماء: «من لك بأخيك كلّه»، و«أيّ الرّجال المهذّب» .
ثم لا يمنعك ذلك من الاستكثار من الأصدقاء فإنهم جند معدّون [لك] ينشرون محاسنك، ويحاجّون عنك. ولا يحملنّك استطراف صديق ثان على ملالة للصّديق الأول؛ فإن ذلك سبيل أهل الجهالة، مع ما فيها من الدناءة وسوء التدبير، وزهد الأصدقاء جميعا في إخائك. والله يوفقك.
وستجد في الناس من قد جرّبته الرّجال قبلك، ومحضه اختبارهم لك.
فمن كان معروفا بالوفاء في أوقات الشّدّة وحالات الضرورة، فنافس فيه واسبق إليه؛ فإنّ اعتقاده أنفس العقد. ومن بلاه غيرك فكشف عن كفر النّعمة والغدر، لا يفي لأحد، وإنما يميل مع الرّجحان: يذلّ عند الحاجة ويشمخ مع الاستغناء.
[١٥- الخلال المذمومة]
فاحذر ذلك أشدّ الحذر. واعلم أنّ الحكماء لم تذم شيئا ذمّها أربع خلال:
الكذب فإنّه جماع كلّ شرّ. وقد قالوا: لم يكذب أحد قطّ إلّا لصغر قدر نفسه عنده.
والغضب فإنّه لؤم وسوء مقدرة؛ وذاك أنّ الغضب ثمرة لخلاف ما تهوى النفس، فإن جاء الإنسان خلاف ما يهوى ممّن فوقه أغضى وسمّى ذلك حزنا، وإن جاءه ذلك ممّن دونه لؤم النّفس وسوء الطّباع على الاستطالة بالغضب، والمقدرة والبسطة على البطش.
والجزع عند المصيبة التي لا ارتجاع لها؛ فإنّهم لم يجعلوا لصاحب الجزع في مثل هذا عذرا، لما يتعجّل من غمّ الجزع مع علمه بفوت المجزوع عليه.
1 / 85