إنّما أمر بالتوكّل عند انقطاع الحيل، والتسليم للقضاء بعد الإعذار، بذلك أنزل كتابه،؛ وأمضى سنّته فقال: خُذُوا حِذْرَكُمْ*
، وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
. وقول النبيّ ﷺ: «اعقلها وتوكّل» . وسئل ما الحزم؟ فقال: الحذر.
فتحفّظ من هذا الباب وأحكم معرفته إن شاء الله تعالى.
واعلم أنّ أكثر الأمور إنّما هو على العادة وما تضرى عليه النّفوس، ولذلك قالت الحكماء: «العادة أملك بالأدب» .
فرض نفسك على كلّ أمر محمود العاقبة، وضرّها بكلّ ما لا يذمّ من الأخلاق يصر ذلك طباعا، وينسب إليك منه أكثر مما أنت عليه.
[٨- الجود والبخل]
واعلم أنّ الذي يوجب لك اسم الجود القيام بواجب الحقوق عند النّوائب، مع بعض التّفضّل على الراغبين. وإذا أوجب لك اسم الجود زال عنك اسم البخل.
واعلم أنّ تثمير المال آلة للمكارم، وعون على الدّين، ومتألّف للإخوان، وأنّ من قد فقد المال قلّت الرغبة إليه، والرّهبة منه، ومن لم يكن بموضع رغبة ولا رهبة استهان النّاس بقدره.
فاجهد الجهد كله ألّا تزال القلوب معلّقة منك برغبة أو رهبة، في دين أو دنيا.
واعلم أنّ السّرف لا بقاء معه لكثير، ولا تثمير معه لقليل، ولا تصلح عليه دنيا ولا دين. وتأدّب بما أدّب الله تعالى به نبيّه فقال: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا.
وقالت الحكماء: «القصد أبقى للجمام» .
1 / 78