ان نقضي بانه كفر الا بعد ان نجد من ذلك بدا فيكون الحق احق ما قضي به وصبر عليه. فمن كانت- حفظك الله- هذه سيرته وطريقته في ادنى اوليائه، فكيف تظنه في ارفع اوليائه؟ فهذا ما لا يحل لي ان اظنه بعلي بن ابي طالب، فان كان عندك برهان واضح ودليل بين يكشف لنا عن الحال حتى يتبين به انه كان سببا في اراقة دمه، فعلينا السمع واليقين والاقرار، وعليك البيان والافهام بالدليل والحرص» .
لقد اوضح الجاحظ في هذا المقطع طريقة المعتزلة في الحكم على الناس بمن فيهم علي. وهي طريقة تتسم بالاعتدال وتتجنب الغلو والتقصير، وتضع درجات في سلم الأعمال تتوسط بين الكفر والايمان وهذه الدرجات هي الصواب والخطأ والخطيئة والاثم والضلال. ثم تلتزم بعدم اصدار الحكم الا بعد توافر الادلة التي تفضي الى اليقين.
وبناء على هذه القاعدة لا يجد الجاحظ دليلا كافيا يتبين منه ان عليا كان سببا في اراقة دم عثمان، فيصدر عليه حكما بالكفر. اما معاوية فلا يستحق الامامة لعدم توافر اسبابها فيه، وقد اغتصبها بالقوة والخديعة ومختلف الوسائل التي توافق الكتاب والسنة وتخالفهما على عكس علي الذي كان يلتزم الكتاب والسنة ولا يلجأ الى المكائد. واذا كان الجاحظ لم يجهر بالكفار معاوية في رسالة الحكمين فانه كفره صراحة في رسالة النابتة. لقد فسق وضل لاغتصابه الخلافة وكفر حين جحد حكم الرسول في ولد الفراش وادعى ان زياد بن سمية أخوه (انظر رسالة النابتة، ضمن رسائل الجاحظ الكلامية، التي نشرناها) .
والجاحظ يؤكد انه يلزم الحياد بين العلويين والعثمانيين وانه ليس ممن «يميل في شق عن شق، ويتعصب لبعض على بعض، ومن يبخس حق الدون، فكأنك به قد تبخس حق من فوقه حتى تصير الى أئمته المهتدين وخلفائه الراشدين، لست عمريا دون ان اكون علويا، ولا علويا دون ان اكون عثمانيا، اللهم الا بما اخص به العترة بسبب القرابة، واما في غير ذلك فليس
1 / 34