وقال أبو العباس حدَّثنا عمر بن شبة، حدَّثنا أحمد بن سيار الجرجاني - وكان شاعرًا راويةً مداحًا ليزيد بن مزيد - قال: دخلت أنا وأبو محمد التيمي، وأشجع بن عمرو، وابن رزين الحراني، على الرشيد بالقصر الأبيض بالرقة، وقد كان قد ضرب أعناق قوم في تلك الساعة، فتخللنا الدم حتى وصلنا إليه، فتقدم التيمي فأنشده أرجوزةً يذكر فيها نقفور، ووقعة الرشيد بالروم، فنثر عليه الدر، من جودة شعره. وأنشده أشجع:
قصرٌ عليه تحيةٌ وسلام ... ألقت عليه جمالها الأيام
قصرٌ سقوف المزن دون سقوفه ... فيه لأعلام الهدى أعلام
يثنى على أيامك الإسلام ... والشاهدان الحل والإحرام
وعلى عدوك يا ابن عم محمدٍ ... رصدان: ضوء الصبح والإظلام
فإذا تنبه رعته وإذا هدا ... سلت عليه سيوفك الأحلام
القصيدة. قال: وأنشدته:
زمنٌ بأعلى الرقتين قصير
يقول فيها:
لا تبعد الأيام إذ ورق الصبا ... خضلٌ وإذ غصن الشباب نضير
قال: فأعجب بها، وبعث إلى الفضل بن الربيع ليلًا فقال: إني أشتهي أن أنشد قصيدتك الجواري فابعث إلى. فبعثت بها إليه.
قال أبو العباس: وركب الرشيد يومًا في قبةٍ وسعيد بن سالمٍ عديله، فدعا محمدًا الراوية - يعرف بالبيذق لقصره - وكان إنشاده أشد طربًا من الغناء، فقال له: أنشدني قصيدة الجرجاني التي مدحني بها. فأنشده، فقال الرشيد: الشعر في ربيعة سائر اليوم. فقال له سعيد بن سالم: يا أمير المؤمنين، استنشده قصيدة أشجع التي مدحك بها. فقال: الشعر في ربيعة سائر اليوم. فلم يزل به سعيدٌ حتى استنشده فأنشده، فلما بلغ قوله:
وعلى عدوك يا ابن عم محمدٍ ... رصدان: ضوء الصبح والإظلام
فإذا تنبه رعته وإذا هدا ... سلت عليه سيوفك الأحلام
فقال له سعيد: والله لو خرس يا أمير المؤمنين بعد هذين البيتين كان أشعر الناس.
وأنشد:
لا تزجر الفتيان عن سوء الرعه ... يا رب هيجا هي خيرٌ من دعه
قال: الرعة: حالة الأحمق التي رضي بها.
في كل يوم هامتي مقزعه ... قانعة ولم تكن مقنعه
وقوله مقزعه يقول: أنا أقاتل في كل يوم وأقاتل.
نحن بنو أم البنين الأربعه ... نحن خيار عامر بن صعصعه
؟ المطعمون الجفنة المدعدعه والضاربين الهام تحت الخيضعه المدعدعة: المملوءة. الخيضعة: أصواب الحرب. والخضيعة: صوت غرمول الفرس. وأنشد:
" كأن خضيعة بطن الجوا ... د وعوعة الذئب في الفدفد "
يا واهب المال الجزيل من سعه ... إليك جاوزنا بلادًا مسبعه
إذا الفلاة أوحشت في المعمعه ... يخبرك عن هذا خبيرٌ فاسمعه
فقال النعمان: وما هو؟ فقال:
مهلًا أبيت اللعن لا تأكل معه
قال النعمان: ولم؟ قال:
إن استه من برصٍ ملمعه
قال النعمان: وما على؟ قال:
وإنه يدخل فيها إصبعه ... يدخلها حتى توارى أشجعه
كأنما يطلب شيئًا أطمعه
وأنشدنا أبو العباس لخالد بن قيس بن منقذ بن طريف، يقوله لمالك بن بجرة، ورهنته بنو موألة بن مالك في دية، ورجوا أن يقتلوه فلم يفعلوا، وكان يحمق. فقال خالد:
ليتك إذ رهنت آل مؤاله ... حزوا بنصل السيف عند السبله
وحلقت بك العقاب القيعله ... مدبرة بشرطٍ لا مقبله
وشاركت منك بشلوٍ جيأله ... أيا ضياع المائة المجلجله
المجلجلة: المختارة. وكان مالك يقال له شرط.
وأنشدنا أبو العباس:
لا خير في الشيخ إذا ما أجلخا ... وسال غرب عينه ولخا
وكان أكلًا قاعدًا وشخا ... تحت رواق البيت يغشى الدخا
يريد الدخان.
وانثنت الرجل فكانت فخا ... وكان وصل الغانيات أخا
اجلخ: سقط فلم يتحرك، ولخ: سال. وأخ كقولك أف وتف.
وأنشد لمبشر بن هذيل بن زافر الفزاري، أحد بني شمخ ولد نضلة. بن خمار:
أرسلت فيها قردًا لكالكا ... من الذريحيات جلدًا آركا
قرد: تقرد شعره واجتمع. ولكالك: عظيم شديد.
يقصر يمشي ويطول باركا ... كأنه مجللٌ درانكا
1 / 76