قال: العرفج يرى راعيته تواجب هزالًا وهي رفد دائمة الألبان كثيرتها، عظيمة المحالب. تواجب: أي ترزح وتلزم الأرض.
قال الأصمعي: سأل رجل من أهل الحضر رجلًا من أهل البادية: هل عندكم ما يرعى؟ فقال البدوى وهو يهزأ به: نعم، عندنا مقمل، ومدب، وباقل، وحانط، وثامر، ووارس. وإنما عنى بذلك كله الرمث؛ لأن الرمث أول ما يتفطر بالنبت يقال له قد أقمل، فإذا زاد على ذلك التفطر شيئًا قيل قد أدبى، وهو الباقل، ثم الحانط، والحانط: المدرك من كل شئ. والثامر: الذي قد أخرج ثمره. والوارس: الذي قد اصفر وكاد يتحات ويتساقط، يقال قد أورس الشجر، إذا دخلته صفرة؛ فالوارس: ذو الصفرة. ومنه قول امرئ القيس:
حجارة غيل وارسات بطحلب
حدثنا أبو العباس قال: قال ابن الأعرابي: قال أبو صالح التميمي: إن رجلًا من الأعراب سأل رجلين أعرابيين فقال: أنى مطرتما؟ قالا: مطرنا بمكان كذا وكذا. قال: فماذا أصابكما من المطر؟ قالا: حاجتنا. قال: فماذا سيل عليكما؟ قالا: ملنا لوادى كذا وكذا، فوجدناه مكسرًا، وملنا لوادى كذا وكذا فوجدناه قد سالت معنانه، وملنا لوادى كذا وكذا فوجدناه مشطئًا. قال: فما وجدتما أرض بنى فلان؟ قالا: وجدناها ممطورة قد ألس غميرها، وأخوص شجرها، وأدلس نصيها، وأليث سخبرها، وأخلس حليها، ونببت عجلتها.
والعجلة: بقلة مستطيلة مع الأرض إذا نببت. وإنما يعنى بنببت صار لها أنابيب. ويعنى بأخلس حليها صار فيه خضرة. وكذا يقال للحلى إذا خرجت فيه خضرة طرية، يقال قد أخلس. أليث سخبرها، يعنى اشتغل ورقًا. ويعنى بالمكسر الذي سالت جرفته. ومعنانه: جوانبه. ومشطئ: سال شطاه ولم يسل بأجمعه.
وقال رجل لرجل: كيف وجدت أرض بنى فلان؟ قال: وجدتها أرضًا شبعت قلوصها، ونسيت شاتها يعني لا تذكر. قال: فهل مع ذلك خوصة؟ قال: شئ قليل. قال: والله ما أحمدت، وإن كان القوم لصالحين.
وأخصبت الخصب عند العرب - فيما ذكر أبو صالح - إذا كان الخوض وافرًا.
قال أبو مجيب - وكان أعرابيًا من بنى ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم -: لقد رأيتنا في أرض عجفاء وزمان أعجف، وشجر أعشم، في قف غليظ، وجادة مدرعة غبراء. فبينا نحن كذلك، إذ أنشأ الله من السماء غيثًا مستكفًا نشؤه، مسبلة عزالية، ضخاماُ قطره، جوادًا صوبه، زاكيًا، أنزله الله فنعش به أموالنا، ووصل به طرقنا. وأصابنا وإن لبنوطة بعيدة الأرجاء، فاهرمع مطرها، حتى رأيتنا وما غير السماء والماء، وصهوات الطلح؛ فضرب السيل النجاف، ومأ الأدوية فزعبها فما لبثنا إلا عشرًا حتى رأيتها روضة تندى.
مدرعة: أكل ما حولها؛ شاة درعاء، إذا ابيض رأسها وسائرها أسود.
وقال رائد مرة: تركت الأرض مخضرة كأنها حولاء، بها قصيصة رقطاء، وعرفجة خاضبة، وقتادة مزبدة، وعوسج كأنه النعام من سواده. مزبدة: قد أورقت.
قال أعرابي: ليس الحيا، بالسحيبة تتبع أذناب أعاصير الريح، ولكن كل ليلة مسبل رواقها، منقطع نطاقها، تبيت آذان ضانها تنطف حتى الصباح.
قال أبو عبيدة: قلت لأعرابي: ما أسح الغيث؟ قال: ما ألقحته الجنوب، ومرته الصبا، ونتجته الشمال. ثم قال: أهلك والليل ما يرى إلا أنه قد أخذه.
قال الأصمعي: أجود بيت قيل في الغيث بيت الهذلى:
لتلقحه ريح الجنوب وتقبل الش ... مال نتاجًا والصبا حالب يمرى
وقال الكميت:
مرته الجنوب فلما أكفه ... ر حلت عزاليه الشمأل
قال: وقف أعرابي على قوم من الحاج فقال: يا قوم، بدء شأنى والذي ألفجنى إلى مسألتكم، أن الغيث كان قد قوى عنا، ثم تكرفأ السحاب، وشصا الرباب، وادلهم سيقه، وارتجس ريقه، وقلنا هذا عام باكر الوسمى، محمود السمى. ثم هبت له الشمال فاحزألت طخاريره، وتقزع كرفئه متياسرًا، ثم تتبع لمعان البرق، حيث تشيمه الأبصار، وتحده النظار، ومرت الجنوب ماءه، فقوض الحي مزلمين نحوه، فسرحنا المال فيه، فكان وخمًا وخيمًا، فأساف المال، وأضف الحال، فبقيا لا تيسر لنا حلوبة، ولا تنسل لنا قتوبة. وفي ذلك يقول شاعرنا:
ومن يرع بقلًا من سويقة يغتبق ... قراحًا قول كل صليق
ذكر مزيد جدبًا فقال: أصبحت الأرض والله قد جلح شجرها، وحبس مطرها، ودرع مرتعها، واغبرت جوادها، وأطلب مالها، وذهب دقها، واستدركت ذخائرها، وشاجر مالها، وكثرت حتى قهرت.
1 / 62