قال: وخرجت ابنى معقر البارقى - وكان أعمى - وتقوده، فراحت عليه رائحة من روائح الصيف فقال: يا بنية انظرى ما ترين؟ فقال: أرى سحماء عقاقة، كأنها حولاء ناقة، ذات هيدب دان، وسير وان. فقال: أجلسينى إلى أصل قفلة: فإنها لا تنبت إلا بمنجاة من السيل. القفلة: شجرة. عقاقة: تنشق بالبرق انشقاقًا. والحولاء: ما يخرج من رحم الناقة مع الولد، والهيدب: مثل هدب الثوب تراه متعلقًا دون السحاب. وإن: فاتر.
وحدثنا أبو العباس قال: حكى عن الأصمعي قال: سئل أعرابي عن المطر فقال: أخذتنا السماء بدث، يؤذى المسافر، ولا يرضى الحاضر، ثم رككت، ثم رسغت، ثم خنقت وغرقت، ثم أخذنا جار الضبع، فلو قذفت في الأرض بضعة لم تقض.
رككت: رققت وضعفت؛ والركيك: الضعيف. رسغت: بلغ الثرى من الأرض بقدر مدخل الكف فيها إلى الرسع. خنقت: أي خنقت الزبى. وواجد الزبى زبية، وهي ما ارتفع من الأرض، يحفر فيه للسبع. لم تقض: لو ألقيت بضعة في الأرض لم يصبها قضض، لكثرة الندى والعشب. والقضض: حصى صغار.
وحدثنا أبو العباس قال: قال الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: سمعت ذا الرمة يقول: قاتل الله أمة بني فلان ما أعرابها، سألتها عن المر فقالت: غثنا ما شئنا، أي أصابنا الغيث، من قولك غيث الناس فهم مغيثون.
وقال: قال أعرابي ونظر إلى السماء مخيلة: هذا صيب لا تؤمن به الدوافع أن تدرأ عليكم بسيولها، فتحولوا بأخبيتكم إلى التلاع. وإن تليحوا من الموت فللموت باب أنتم لا بد داخلوه.
وأنشد:
تليح من الموت الذي هو واقع ... وللموت باب أنت لا بد داخله
قال: لقى رجل من بنى شيبان رجلًا فسأله عن المطر فقال: أصابتنا أمطار حسنة اشتد لها ما استرخى من الأرض، واسترخى لها ما اشتد منها، أي اشترخى لها جلد الأرض واشتد الرمل لما ندى. وهذا مثل قول العجاج يصف رملة:
عزز منها وهي ذات إسهال ... ضرب سوارى ديمة وتهطال
عزز: شدد.
وسئل أعرابي: هل أصابكم مطر؟ فقال: نعم مور الأكمة، وسيل الطريق. مور: جعلها تسيح.
ابن كناسة: شام أعرابي برقًا فقال لابنته: انظرى أين ترينه؟ فقال:
أناخ بذى بقر بركه ... كأن على عضديه كتافا
ثم قال لها بعد قليل: عودى فشيمى. فقالت:
نحته الصبا ومرته الجنو ... ب وانتجفته الشمال انتجافا
قال الأصمعي: خرج صالح بن عبد الرحمن يسير بين الحيرة والكوفة، فإذا هو براكب فقال: ممن أنت؟ فقال: من بنى سعد، فممن أنت؟ فإني أرى بزة ظاهرة وجلدة حسنة. فقال بعض أصحاب صالح: أتقول هذا للأمير؟! فقال صالح: دعوه فلم يقل إلا خيرًا. ثم استخبره عن المطر فقال: أقبلت حتى إذا كنت بين هذا الحزن والسهل، وفي كفة النخل - ناحيته - رأيت خرجًا من السحاب، منكفت الأعالي، لاحق التوالي، فهو غاد عليك أو سار، يسيل السلان ويروى الغدران.
وحدثنا أبو العباس قال: قال أعرابي من طى: بعث قوم رائدًا فقال: رأيت بقلًا وبقيلا، وماء غللًا سيلا، يشبع الجمل البروك وتشكت النساء، وهم الرجل بأخيه. قوله: يشبع الجمل البروك، أي لو قام لم يتمكن منه لقصره. وقوله: تشكت النساء، اتخذت شكاء؛ والشكوة: القربة الصغيرة. أراد أن اللبن لم يكثر فيمخض في الوطاب. وهم الرجل بأخيه، أي هم بالعطف على أخيه وصلته، حين رأى أوائل الغيث، لأنهم لا يتعطفون إلا في الخصب. وإذا كان الجدب كان كل إنسان مشغولًا بنفسه.
وقال أبو العباس: قال الأصمعي: أرسلت بنو سعد رائدًا، فلما صار بمنزلهم من الدهناء ويبرين قال: هذا حيث عفا الأثر، وانقطع الحجر، وكثر الشجر، وقربت هجر. انقطع الحجر: صاروا إلى الرمل.
قال أبو مجيب الربعة: إذا أصاب المطر العرفج فأول تأثير المطر فيه أن يمأد عوده، وهو انتفاخه واسمئداده. ثم يتفطر، وتفطره أن ينفذ النبت منه. ثم يخضب، وخضوبه أن يخرج ورقه ثم ينتشر. ثم يدبى. وإدباؤه أن ينشف نبته ويتآزر ثم يهدر وهدره أن يتام بقله قبل أن يثمر. ثم إثماره، ثم مصوحه " وهو ذهاب بلله. ثم يقال عقب يعقب أشد العقب، وهو أن يميل ويدق عوده ويصفر ثمره. ثم ليس بعد ذلك إلا يبسه.
وقال: أوصى الهلالى راعييه فقال: أراعياها العرفج؛ فإنها تأدمه بأرياقها إذا أكلته. وذلك أنها إذا أكلته حلب أرياقها فكثرت، فتسترط العرفج لكثرة أرياقها وإن كانت عطاشًا.
1 / 61