ويوم الجمعة في 12 منه استقدم نميق باشا شيوخ زحلة إليه، وكانوا نحو عشرين وقال لهم: كلكم في السجن حتى تقدموا سلاح البلد برمته. لأنه كان قد فهم أن كثيرا من السكان أخفوا سلاحهم. فاحتج كل منهم لتبرئة ساحة البلدة، فلم يقتنع بذلك فقام أبو عساف الحاج شاهين وقال له: عفوك يا مولاي كيف يمكننا تقديم سلاح البلد ونحن في السجن. قال لهم: إذن ضعوا بنيكم رهنا عندي حتى تذهبوا وتجمعوا السلاح. فاستقدموا إليه كلا من عبيد يوسف البريدي، ومخول الحاج شاهين، ويوسف حجي، وناصيف غرة، وهيكل أبي خاطر، وكانوا في مقتبل عمرهم فأودعهم خيمة مخفورين وأطلق سراح الشيوخ، وكان ذلك يوم الاثنين في 15 منه.
وبقي العسكر محدقا بزحلة إلى أن تم جمع السلاح، فسار الباشا يوم الجمعة في 23 تشرين الثاني إلى جنوبي لبنان. وقد تكبد الزحليون نفقات كثيرة ووقف دولاب أعمالهم مدة، ولكن نجت بلدتهم من التنكيل والتخريب.
وفي هذه السنة كان عبد الله أبو خاطر من زحلة مستشار الكاثوليك في مجلس قائمية مقام النصارى، وشديد عيسى الخوري البحمدوني مستشار الأرثوذكس في مجلس قائمية مقام الدروز (راجع «المحررات السياسية» 1 : 218).
وفي أوائل سنة 1846م اشتد الغلاء في سورية، ولا سيما في زحلة التي أنفقت جميع ما كان مخزونا في أهرائها (حواصلها) من الحبوب طعاما للعسكر، فبيع فيها مد الحنطة بعشرين غرشا والشعير بثلاثة عشرة والذرة بخمسة عشر، وصار جوع ضايق الفقراء.
ويوم السبت في 27 نيسان سنة 1846م بدأ المطران باسيليوس شاهيات ببناء كنيسة سيدة النجاة الكبرى في زحلة، وكان الراز (رئيس البنائين) خليل الخرياطي، ووكيل العمل الخوري بطرس القطيني المعلوف. وفي تلك الأثناء ابتاع الآباء اليسوعيون محلا في أعلى زحلة يعرف بكرم البالوع، وبنوا ديرهم الصغير وأنشئوا فيه مدارس للذكور والإناث، وذلك بمساعدة الأمير حيدر الحاكم وبعض الزحليين مثل جرجس العن، وحبيب مقصود الذين انتظم في سلك رهبانهم بعد ذلك، وزاد عمران زحلة فصار كرم البالوع الكبير بيوتا للسكن وهو قرب دير اليسوعيين كما مر، وامتد العمار إلى فوق الطريق الموصل إلى الجبل من جهة البياضة. واتسع البناء فوق الدار الأسقفية وأخذ جانب من الكروم غير ما أخذ أولا وبني فيه ، ثم تقدم العمار وعطلت التربة فوق حارة دير النبي إلياس المخلصي، وقطعت الكروم التي فوقها على الظهر وعمرت كل تلك الناحية حتى إلى رأس التلة. ومن جهة القاطع ازداد العمار كثيرا في ناحية الميدان حتى اتصل بالمعلقة، وفي حارة البربارة حتى عين الدوق.
ونهار الجمعة في 10 أيار سنة 1846م انقض برد كالرصاص فأتلف الكروم والأشجار.
وفي أوائل أيلول من تلك السنة كان السيد أغابيوس الرياشي أسقف جبيل وبيروت الكاثوليكي، وبعض أعيان بيروت في زحلة للمداولة بإدخال الحساب الغريغوري.
ويوم الثلاثاء في 27 تموز سنة 1848 جاء زحلة ناصيف منعم المعلوف المؤلف المشهور في الأستانة وأوروبة، ومعه بعض السياح الأوروبيين، فقوبلوا باحتفاء ولم يطيلوا المقام لتفشي الهواء الأصفر في سورية، فساروا إلى بعلبك وانحدروا إلى بيروت.
ويوم الخميس في 29 تموز قدم زحلة أسر (عيال) كثيرة من دمشق لكثرة الهواء الأصفر فيها ولم يمض على تقاطرهم مدة حتى اتصلت عدوى الوباء بزحلة، فأصيب ثلاثة من الزحليين يوم الخميس في 26 آب، وماتوا على الأثر؛ أحدهم موسى أبو فيصل في 30 آب عن نحو خمسين سنة والاثنان في 3 أيلول، وهما فروسين ابنة جرجس القبرصلي بعمر ثلاثين سنة وخليل بن مخايل الجامد بعمر سنتين ونصف.
32
Halaman tidak diketahui