Makani al-Akhbar
مcاني الأخبار
Editor
محمد حسن محمد حسن إسماعيل - أحمد فريد المزيدي
Penerbit
دار الكتب العلمية
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٢٠هـ - ١٩٩٩م
Lokasi Penerbit
بيروت / لبنان
كَمَا فَعَلَ بِإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ حِينَ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، فَبَكَى إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ مَلَكُ الْمَوْتِ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ فِي صُورَةِ شَيْخٍ كَبِيرٍ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ الْعِنَبَ وَمَاءُ الْعِنَبِ يَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ ﵇ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ كَمْ أَتَى لَكَ؟ فَذَكَرَ مِثْلَ سِنِّ إِبْرَاهِيمَ، فَاشْتَهَى إِبْرَاهِيمُ الْمَوْتَ فَقَبَضَ رُوحَهُ ذَكَرَ ذَلِكَ حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ كَعْبٍ، ﵀. فَهَذِهِ لَطِيفَةٌ أَحْدَثَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِخَلِيلِهِ فِي إِزَالَةِ كَرَاهَةِ الْمَوْتِ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا لَهَا نَظَائِرَ قَبْلُ. وَقَوْلُهُ: «وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ»، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمُؤْمِنَ، وَخَلَقَ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ لَهُ، فَقَالَ ﴿سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية: ١٣]، فَأَرَادَ ﷿ أَنْ يُحِلَّ الْمُؤْمِنَ فِي جِوَارِهِ، وَيُنْزِلَهُ دَارَ كَرَامَتِهِ، وَيَهَبَ لَهُ مِنْ مُلْكِهِ، وَيَجْعَلَهُ بَاقِيًا بِبَقَائِهِ مَلِكًا لَا يَفْنَى مُلْكُهُ، حَيًّا لَا يَمُوتُ أَبَدًا لَا يَزُولُ، يُحِلُّ عَلَيْهِ كَرَامَتَهُ، وَيُلَذِّذُهُ بِرُؤْيَتِهِ، وَيُكْرِمُهُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَحَكَمَ ﷿ بِهَذِهِ الْكَرَامَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ ﷿ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ الْبَدَاءُ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ الْمَوْتِ لِيَصِلَ إِلَى هَذِهِ الْكَرَامَةِ الْجَلِيلَةِ، وَالرُّتْبَةِ السَّنِيَّةِ، وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ كَرِهَ اللَّهُ مَسَاءَتَهُ فِي ذَلِكَ، وَأَزَالَهَا عَنْهُ بِلَطَائِفَ يُحْدِثُهَا لَهُ وَفِيهِ، سُبْحَانَ اللَّطِيفِ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَوْلُهُ: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدٌ بِمِثْلِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»، لَيْسَ مِنْ قَدْرِ الْعَبْدِ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ، وَسِمَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ، وَنَقْصُ الْحَدَثِ فِيهِ بَيِّنٌ، وَحَقَارَةُ الْبِنْيَةِ لَهُ لَازِمَةٌ، فَبِأَيِّ صِفَةٍ يَتَقَرَّبُ إِلَى مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، كَيْفَ يَتَوَصَّلُ إِلَى غَنِيٍّ مُحْتَاجٌ، وَمَلِكٍ لَا يُطَاقُ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَيْهِ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَإِنَّمَا يُقَرِّبُهُ اللَّهُ مِنْهُ، يَتَقَرَّبُ بِلُطْفِهِ إِلَيْهِ، فَأَمَرَهُ بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهَا عَلَامَتَهُ لِمَنْ لَهُ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ تَقَرُّبٌ إِلَيْهِ، فَمَنْ أَقَامَ أَوَامِرَهُ، وَأَدَّى فَرَائِضَهُ فَهُوَ الَّذِي قَرَّبَهُ اللَّهُ مِنْهُ، فَصَارَ أَدَاءُ فَرَائِضِهِ تَقَرُّبًا مِنْهُ، وَإِقَامَةُ أَوَامِرِهِ تَوَسُّلًا إِلَيْهِ، وَأُخْرَى أَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ تَوَقَّى فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَتَدَنَّسَ بِالْخَطَايَا، وَيَتَلَطَّخَ بِالْمَعَاصِي، وَاللَّهُ ﷿ قُدُّوسٌ طَاهِرٌ. وَفِي الْحَدِيثِ «إِنَّ الْقُدُّوسَ الْأَعْلَى لَا يَقْرَبُهُ إِلَّا قِدِّيسٌ طَاهِرٌ»، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَدَاءِ مَا
1 / 379