بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ
Halaman tidak diketahui
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ لِجَمِيعِ آلَائِهِ وَنَعْمَائِهِ، وَالسَّلَامُ وَالتَّحِيَّةُ وَالْإِكْرَامُ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَعَلَى جَمِيعِ إِخْوَانِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرْضِينَ وَغَيْرِهِمْ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى جَمِيعِ الصِّحَابَةِ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالتَّابِعِينَ وَالصَّالِحِينَ وَعُلَمَاءِ الِّدينِ وَالشُّهَدَاءِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ وِجَمَيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعيِنَ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ وَلَمْحَةٍ وَخَطْرَةٍ مِنْ أَزَلِ الْأَزَلِ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِين، يَقُولُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ السَّعْدِيُّ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَأَسْعَدَ جَدَّهُ: ثَنا الشَّيْخُ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْأَجَلُّ جَلَالُ الدِّينِ أَبُو الْمَحَامِدِ حَامِدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّفَارِيُّ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنا الشَّيْخُ وَالِدِي
1 / 17
، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو حَاتِمٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُسْتَمْلِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَدْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْعَارِفُ الْكَلَاَباَذيُّ الْمُصَنِّفُ، قَالَ ﵁: وَأَخْبَرَنِي بِهَذَا الْإِسْنَادِ الشَّيْخُ الْعَالِمُ الصَّالِحُ الدَّيِّنُ فَخْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ، وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ زَيْنُ الصَّالِحِينَ عُمَرُ بْنُ أَبِي بَدْرٍ عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا فِي الْجَامِعِ بِبُخَارَى، قاَلَ: أَخْبَرَنَا بِهَذَا الْإِسْنَادِ الشَّيْخُ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الِّدينِ أَبُو الْمَكَارِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَرْغِيِنَانِيُّ، وَالشَّيْخُ الْقَاضِي جَمَالُ الْقُضَاةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْكِرْمَانِيُّ الزُّغَانِيُّ فِي كَثِيرِينَ آخَرِينَ، قَالَ ﵁، وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْقَاضِي الْإِمَاُم. . . ﵀ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّسَفِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلَدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمايمرغِيُّ الْمُصَنِّفُ ﵁، وَأَخْبَرَنَا أَيْضًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ وَجَمَالُ الْقُضَاةِ الْكَرْمِينِيُّ فِي كَثِيرِينَ آخَرِينَ، قَالَ ﵁ وَقَدْ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْقَاضِي الْأَجَلُّ قَاضِي الْقُضَاةِ عِمَادُ الدِّينِ أَبُو حفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْفَضْلِ الزِّنْجِرِّيُّ بِقِرَاءَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الزَّاهِدِ الْقَطَّانِ الْمُسْتَمْلِي فِي مَسْجِدهِ بَعْدَ إِمْلَائِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ الْوَالِدُ، قَالَ: سَمِعْتُ مَعَانِيَ الْأَخْبَارِ، وَشَرْحَ الْآثَارِ مِنَ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ التَّمِيمِيِّ فِي مَسْجِدِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْحُلْوَانِيِّ وَهُوَ حَاضِرٌ يَسْمَعُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، رَوَاهُ عَنِ الْمُصَنِّفِ، قَالَ ﵁، وَأَخْبَرَنَا أَيْضًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ، وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الدَّيِّنُ فَخْرُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ وَالشَّيْخُ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عُمَرَ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُطَوَّعِيُّ، وَجَمَالُ الْقُضَاةِ الْكَرْمِينِيُّ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْمَشَايِخِ يَكْثُرُ تَعْدَادُهُمْ قَدَّسَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ
1 / 18
، قَالَ: ﵁، وَقَدْ أَخْبرَنَا الشَّيْخُ الْقَاضِي الْعَالِمُ الْأَجَلُّ الْأُسْتَاذُ بَهَاءُ الدِّينِ مُفْتِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ أَبُو الْمَحَامِدِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الْمَنْسُوبُ إِلَى إِسْبِيجَابَ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِبُخَارَى - أَعْمَرَهَا اللَّهُ وَخَلَّصَ أَهْلَهَا وَأَئِمَّتَهَا - فِي أَوَائِلِ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْقَاضِي الْإِمَامُ الزَّاهِدُ اللَّدُنِّيُّ قَالَ: أَخْبرَنَا الشَّيْخُ الْقَاضِي الْإِمَامُ صُدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيَسَرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَزْدَوِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْكَاتِبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَارِفُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ الْكَلَابَاذِيُّ الْبُخَارِيُّ الْمُصَنِّفُ إِمْلَاءً بِدَرْبِ الْجَدِيدِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ ﵁: وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الْأُسْتَاذُ ظَهيِرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُحْبُوبِيُّ، وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمِرْغِيَنَانِيُّ، وَالشَّيْخُ الْقَاضِي الْإِمَامُ جَمَالُ الْقُضَاةِ الْكَرْمِينِيُّ، وَالشَّيْخُ الْقَاضِي الْإمَامُ أَبُو عُمَرَ الْمُطَوَّعِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْقَاضِي الْإِمَامُ الزَّاهِدُ عِمَادُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَنْصُورٍ النَّسَفِيُّ ﵀، وَقَدْ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيُّ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ، عَنِ الْمُصَنِّفِ، قَالَ ﵁: وَقَدْ أَعْرَضْتُ عَنْ إِيرَادِ الْأَسَانِيدِ وَذِكْرِ الْمَشَايِخِ تَحَرُّزًا عَنِ الْمَلَالِ لِلْأَحْبَابِ وَالْأَصْحَابِ - قَدَّسَ اللَّهُ أَرْوَاحَ الْمَاضِينَ، وَحَصَّلَ آماَلَ الْحَاضِرِينَ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ـ، وَبِهَذِهِ الْأَسَانِيدِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْعَارِفُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ الْكَلَابَاذِيُّ الْبُخَارِيُّ ﵀.
1 / 19
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَرْوَكَ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الطَّرَسُوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَعَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي لِحُبِّ اللَّهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ﵀: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ﷺ: «أَحِبُّوا اللَّهَ» خَبَرًا مِنْ مَحَبَّتِهِمْ إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْأَمْرِ، وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: عِشْ رَحِبًا تَرَ عَجَبًا، أَيْ لِأَنَّ الْعَيْشَ لَيْسَ إِلَى الْإِنْسَانِ، فَيُؤْمَرُ بِأَنْ يَعِيشَ وَمِثْلُهُ مَا رُوِيَ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ﵁ قَالَ: وَجَدْتُ النَّاسَ أُخْبُرْ تَقْلُهْ، مَعْنَاهُ: إِنْ خَبُرْتَهُمْ قَلَيْتَهُمْ، يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ: وَجَدْتُ النَّاسَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَجَدْتُ النَّاسَ صِفَتُهُمْ أَنْ خَبُرْتَهُمْ قَلَيْتَهُمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «أَحِبُّوا اللَّهَ»، مَعْنَاهُ إِنَّمَا تُحِبُّونَ اللَّهَ لِأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ، فَأَحَبَّكُمْ، فَأَحْبَبْتُمُوهُ لِحُبِّهِ لَكُمْ، قَالَ اللَّهُ ﷿ ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤] أَخْبَرَ عَنْ حُبِّهِ لَهُمْ قَبْلَ حُبِّهِمْ لَهُ ⦗٢١⦘. وَقَوْلُهُ: «أَحِبُّونِي لِحُبِّ اللَّهِ» أَيْ إِنَّمَا تُحِبُّونَنِي، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَبَّنِي، فَوَضَعَ فِيكُمْ مَحَبَّتِي، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا أَمَرَ جَبْرَائِيلَ ﵇، فَنَادَى فِي السَّمَاءِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ أَحَبَّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ حُبُّهُ فِي الْأَرْضِ»
1 / 20
وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: «وَيَقَعُ عَلَى الْمَاءِ فَيَشْرَبُهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَيُحِبُّهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَإِذَا بَغَضَ عَبْدًا فَمِثْلُ ذَلِكَ» حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَاذَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الزَّجَّاج وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ ﷿ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا»، وَذَكَرَهُ فَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا وَضَعَ مَحَبَّتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى فِي الْجَمَادِ، وَإِنَّمَا حَمَلَنَا مَعْنَى الْخَبَرِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ إِذَا كَانَتْ بِشَرْطِ النِّعْمَةِ كَانَتْ مَعْلُولَةً نَاقِصَةً، وَكَانَ رُجُوعُهَا إِلَى حَظِّ الْمُحِبِّ، لَا إِلَى الْمَحْبُوبِ فِي النِّعَمِ كُلِّهَا، أَوْ أَكْثَرِهَا، مَلَاذِ النُّفُوسِ، وَمَرَافِقِ الْأَبْدَانِ، أَوْ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهَا، وَمَنْ أَنِسَ لِلَّذَّةِ وَالرِّفْقِ تَغَيَّرَ لِلْأَلَمِ وَالْمَكْرُوهِ، وَفَوَاتِ حُظُوظِ النَّفْسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ [الحج: ١١] وَقَدْ قَالُوا فِي مَحَبَّةِ زُلَيْخَا لِيُوسُفَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى سَيِّدَنَا وَعَلَيْهِ: إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَحَبَّةً حَقِيقِيَّةً، وَإِنَّمَا كَانَتْ مَعَهَا شَهْوَةٌ، وَمُطَالَبَةُ حَظِّ النَّفْسِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ ﷿ ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ [يوسف: ٢٣] الْآيَةَ، فَلَمَّا لَمْ يُطَاوِعْهَا وَفَاتَهَا حَظُّهَا فِيهِ، آثَرْتَ الْمُرَّ عَلَى أَلَمِهَا فَقَالَتْ ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًنْ مِنَ
1 / 21
الصَّاغِرِينَ﴾ . وَأَمَّا النِّسْوَةُ فَغَبِنَّ عَنْ حُظُوظِ الْغَيْرَةِ، وَآلْامِهِنَّ، حَتَّى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، وَلَمْ يَحْسُسْنَ بِالْأَلَمِ، وَزُلَيْخَا لَمَّا تَمَكَّنَ الْحُبُّ مِنْهَا قَالَتْ ﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ﴾ [يوسف: ٥١]، أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا وَشَهِدَتْ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ، هَذَا يُظْهِرُ دَلِيلًا أَنَّ مَحَبَّةَ النِّعْمَةِ مَحَبَّةُ لَذَّةٍ وَمُطَالَبَةُ حُظُوظِ النَّفْسِ، فَإِنْ حَمَلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ كَانَ أَمْرًا مَعْلُولًا، وَالْمَحَبَّةُ نِهَايَةُ الْأَحْوَالِ الْمَعْلُولَاتِ، الَّذِينَ جَازُوا كَثِيرًا مِنْهَا، فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَا يُخَاطَبُونَ بِالْمَعْلُولِ مِنَ الْأَمْرِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَتْ رَابِعَةُ، أَوْ غَيْرُهَا: وَاللَّهِ لَوْ قَطَّعْتَنِي بِالْبِلَادِ إِرْبًا إِرْبًا مَا ازْدَدْتُ لَكَ إِلَّا حُبًّا، فَمِثْلُ هَذَا لَا يَحْمِلُ عَلَى الْمَحَبَّةِ رُؤْيَةَ النِّعَمِ الَّتِي هِيَ حُظُوظِ النَّفْسِ، وَنَحْمِلُ أَيْضًا مَعْنَى الْحَدِيثِ إِذَا حُمِلَ عَلَى مَا قُلْنَا تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى مَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. . . . أَوْصَافهمْ مُعْرِضِينَ كَمَا نَبَّهَهَمُ اللَّهُ ﷿ بِقَوْلِهِ ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾ [الأنفال: ١٧] . وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي لِحُبِّي»، أَيْ إِنَّمَا تُحِبُّونَهُمْ لِأَنِّي أَحْبَبْتُهُمْ، وَأَحْبَبْتُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَبَّهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا أَنْ تُحِبُّونهُمْ فَيَكُونُ تَصْدِيقًا لِحُبِّهِمِ النَّبِيَّ ﷺ، وَيَكُونُ مَعْنَى الْحَبِّ لَهُمْ إِيثَارَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ
حَدِيثٌ آخَرُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحَارِثِيُّ الْخَلْوَتِيُّ الْجَيْدَمُونِيُّ، قَالَ: ح عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ: ح الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: ح زِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيِّ ﷺ يَقُولُ: «عَلَامَةُ حُبِّ اللَّهِ حُبُّ ذِكْرِ اللَّهِ، وَعَلَامَةُ بُغْضِ اللَّهِ بُغْضُ ذِكْرِ اللَّهِ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: مَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ: عَلَامَةُ حُبِّ اللَّهِ عَبْدَهُ ذِكْرُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا ذَكَرَهُ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهُ عَبْدًا حَبَّبَ إِلَيْهِ ذِكْرَهُ، فَيَذْكُرُ الْعَبْدُ رَبَّهُ لِذِكْرِ رَبِّهِ لَهُ، كَمَا أَحَبَّ رَبَّهُ لِحُبِّ رَبِّهِ لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤]، وَقَالَ ﷿ ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذِكْرُ اللَّهِ عَبْدَهُ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ اللَّهَ، لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ يَسَّرَ مِنَ الْعَبْدِ ذِكْرَهُ لِلَّهِ، إِذْ عِلَّةُ كُلِّ ⦗٢٣⦘ شَيْءٍ صُنْعُهُ وَلَا عِلَّةُ مَا يَصْنَعُهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا أَحَبَّ مِنْهُ ذِكْرَهُ لَهُ
حَدِيثٌ آخَرُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحَارِثِيُّ الْخَلْوَتِيُّ الْجَيْدَمُونِيُّ، قَالَ: ح عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ: ح الْحَارِثُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: ح زِيَادُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيِّ ﷺ يَقُولُ: «عَلَامَةُ حُبِّ اللَّهِ حُبُّ ذِكْرِ اللَّهِ، وَعَلَامَةُ بُغْضِ اللَّهِ بُغْضُ ذِكْرِ اللَّهِ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: مَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ: عَلَامَةُ حُبِّ اللَّهِ عَبْدَهُ ذِكْرُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا ذَكَرَهُ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهُ عَبْدًا حَبَّبَ إِلَيْهِ ذِكْرَهُ، فَيَذْكُرُ الْعَبْدُ رَبَّهُ لِذِكْرِ رَبِّهِ لَهُ، كَمَا أَحَبَّ رَبَّهُ لِحُبِّ رَبِّهِ لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤]، وَقَالَ ﷿ ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذِكْرُ اللَّهِ عَبْدَهُ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ اللَّهَ، لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ يَسَّرَ مِنَ الْعَبْدِ ذِكْرَهُ لِلَّهِ، إِذْ عِلَّةُ كُلِّ ⦗٢٣⦘ شَيْءٍ صُنْعُهُ وَلَا عِلَّةُ مَا يَصْنَعُهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا أَحَبَّ مِنْهُ ذِكْرَهُ لَهُ
1 / 22
كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " قَالَ جَبْرَائِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ: يَا رَبِّ عَبْدُكَ فُلَانٌ اقْضِ لَهُ حَاجَتَهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دَعُوا عَبْدِي فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ " حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ح عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ السِّمْنَانِيُّ قَالَ: ح إِسْمَاعِيلُ بْنُ تَوْبَةَ قَالَ: ح عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ عَلَى ظَاهِرَهِ، فَيَكُونُ عَلَامَةُ الْمُحِبِّ لِلَّهِ كَثْرَةَ ذِكْرِهِ لَهُ ﷿؛ لِأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ ذِكْرَهُ، لِأَنَّ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ وَعِنْدَهُ، وَكَوْنُهُ مَعَهُ وَعِنْدَهُ ذِكْرُهُ إِيَّاهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي»، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»
حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مَرْوَانَ، قَالَ: ح أَبُو سُلَيْمَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْبَلْخِيُّ قَالَ: ح الْقَعْنَبِيُّ قَالَ: ح مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ لَهُ ⦗٢٤⦘ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا» قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» قَالَ الشَّيْخُ ﵀: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِنْ كُنْتَ كَذَلِكَ، فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ شُهُودًا لَهُ بِالْقَلْبِ، وَذِكْرًا لَهُ بِاللِّسَانِ، وَخِدْمَةً لَهُ بِالْجَوَارِحِ، فَيَكُونُ عَلَامَةُ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ أَنْ يُحِبَّ ذِكْرَ اللَّهِ، وَذِكْرُ اللَّهِ مِنَ الْعَبْدِ بِلِسَانِهِ عَلَامَةُ شُهُودِهِ لَهُ بِقَلْبِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ»، وَمَنْ شَهِدَهُ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مَعَهُ، وَمَنْ ذَكَرَهُ فَكَأَنَّهُ جَلِيسُهُ، وَهَكَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ»
حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مَرْوَانَ، قَالَ: ح أَبُو سُلَيْمَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْبَلْخِيُّ قَالَ: ح الْقَعْنَبِيُّ قَالَ: ح مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ لَهُ ⦗٢٤⦘ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا» قَالَ: حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» قَالَ الشَّيْخُ ﵀: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِنْ كُنْتَ كَذَلِكَ، فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ شُهُودًا لَهُ بِالْقَلْبِ، وَذِكْرًا لَهُ بِاللِّسَانِ، وَخِدْمَةً لَهُ بِالْجَوَارِحِ، فَيَكُونُ عَلَامَةُ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ أَنْ يُحِبَّ ذِكْرَ اللَّهِ، وَذِكْرُ اللَّهِ مِنَ الْعَبْدِ بِلِسَانِهِ عَلَامَةُ شُهُودِهِ لَهُ بِقَلْبِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ»، وَمَنْ شَهِدَهُ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مَعَهُ، وَمَنْ ذَكَرَهُ فَكَأَنَّهُ جَلِيسُهُ، وَهَكَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ»
1 / 23
حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الرَّشَادِيُّ قَالَ: ح عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: ح أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَائِشَةَ، ﵂ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَهُ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَالْمَوْتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ ﷿» أَيْ إِنَّمَا يُحِبُّ الْعَبْدُ لِقَاءَ اللَّهِ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَ عَبْدِهِ، لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ صِفَةٌ لَهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ قَدِيمٌ عِنْدَ عَامَّةِ الصُّوفِيَّةِ، وَكَثِيرٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنَ الْمُثْبِتَةِ، فَالْمَحَبَّةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةٌ لَهُ فِي ذَاتِهِ، وَبِهِ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَكَذَلِكَ الْبُغْضُ وَالسُّخْطُ وَالْغَضَبُ وَالْمُوَالَاةُ وَالرِّيَاضُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَحَبَّةُ اللَّهِ عَبْدَهُ تَبَعًا لِمَحَبَّةِ الْعَبْدِ لِلَّهِ، أَوْ مُوجِبَةً لَهَا. وَقَوْلُهُ: «وَالْمَوْتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُبُّهُ مَعْنًى دَقِيقًا أَيْ أَنَّ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ مِنَ الْعَبْدِ شُهُودًا لَهُ بِالْقَلْبِ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ النَّفْسِ وَالْغَيْبَةِ عَمَّا دُونَ اللَّهِ كَمَا قَالَ حَارِثَةُ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَأَسْهَرْتُ لِيَلِي، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا "، أَيْ إِنَّمَا كَانَ نَظَرِي إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا بَعْدَ تَرْكِي حُظُوظَ النَّفْسِ، وَإِمَاتَةِ الشَّهَوَاتِ كُلِّهَا
حَدِيثٌ آخَرُ
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ الْهَيْثَمِ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ بَحِيرِ بْنِ حَاتِمٍ أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْحَضْرَمِيُّ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ قَالَ: ح سَلَّامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِنَّمَا حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا ثَلَاثٌ: الطِّيبُ، وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ " ⦗٢٦⦘ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ: مِنَ الدُّنْيَا، فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ مِنْ بِمَعْنَى فِي فَكَأَنَّهُ قَالَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا» أَيْ: مُدَّةُ كُونِي فِيهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الثَّلَاثَةُ، فيَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي الدُّنْيَا لَا مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا، وَيَكُونُ قَوْلُهُ ﷺ: «إِنَّمَا حُبِّبَ إِلَيَّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا» مَا ذَكَرَ إِخْبَارًا مِنْهُ عَنْ بُلُوغِهِ نِهَايَةَ الْكَلَامِ، الْكَمَالُ فِي الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ ﷿، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَدَوَرَانَ أَحْوَالِهَا عَلَى شَيْئَيْنِ: تَعْظِيمِ قَدْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُسْنِ مُعَامَلَةِ خَلْقِ اللَّهِ، وَمَا ذَكَرَ ﷺ أَنَّهُ حُبِّبَ إِلَيْهِ بِجَمِيعِ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَجْمَعُ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الدِّينِ لِتَعْظِيمِ قَدْرِ اللَّهِ، وَأَدَلُّ شَيْءٍ عَلَى إِجْلَالِهِ ﷿، وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَهَا الطَّهَارَةُ سِرًّا وَجَهْرًا، ثُمَّ جَمْعُ الْهِمَّةِ، وَإِخْلَاءُ السِّرِّ وَهُوَ النِّيَّةُ، ثُمَّ الِانْصِرَافُ عَمَّا دُونَ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ بِالْقَصْدِ إِلَيْهِ وَهُوَ التَّوَجُّهُ، ثُمَّ الْإِشَارَةُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ إِلَى نَبْذِ مَا رُبِطَ بِهِ، ثُمَّ أَوَّلُ أَذْكَارِهِ التَّكْبِيرُ، وَهُوَ النِّهَايَةُ فِي تَعْظِيمِ قَدْرِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ أَوَّلُ ثَنَاءٍ فِيهِ ثَنَاءٌ لَا يَشُوبُهُ ذِكْرُ شَيْءٍ سَوَاهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ، ثُمَّ قِرَاءَةُ كَلَامِهِ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ مُنْتَصِبًا قَدْ زَمَّ جَوَارِحَهُ هَيْبَةً وَخُشُوعًا وَإِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا، ثُمَّ تَحْقِيقُ مَا عَبَّرَ بِلِسَانِهِ عَنْ ضَمِيرِهِ مِنَ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ فِعْلًا وَحَرَكَةً، وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَأَذْكَارُهُمَا تَنْزِيهُ اللَّهِ وَإِجْلَالُهُ وَتَعْظِيمُهُ بِقَوْلِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَسُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، ثُمَّ مَعَ كُلِّ حَرَكَةٍ تَكْبِيرٌ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ بِإِجْمَاعِهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَجْمَلَ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ، فَكَانَ قَوْلُهُ ﷺ: «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» عِبَارَةً عَنْ تَعْظِيمِهِ قَدْرَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا حُسْنُ مُعَامَلَةِ خَلْقِ اللَّهِ، فَالنِّهَايَةُ فِيهِ أَنْ يُوَفِّرَ عَلَيْهِمْ حُقُوقَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ وَيَرْفَعَهُمْ وَيَبْذِلَ لَهُمْ حُظُوظَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَوْفِيَ مِنْهُمْ حَقَّ نَفْسِهِ، وَلَا يُطَالِبَهُمْ بِحُظُوظِهَا، فَأَخْبَرَ ﷺ عَنْ كَمَالِهِ فِي هَذِهِ الْخَصْلَةِ بِقَوْلِهِ: «الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ»، وَذَلِكَ أَنَّ الطِّيبَ مِنْ حَظِّ الرَّوْحَانِيِّينَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا غَيْرِ الطِّيبِ حَظٌّ، فَأَحَبَّ ﷺ الطِّيبَ إِيفَاءً لِحُقُوقِهِمْ، وَحُسْنَ مُعَامَلَةٍ لَهُمْ مَعَ غِنَاهُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ ﷺ كَانَ أَطْيَبَ رِيحًا مِنْ كُلِّ طِيبٍ فِي الدُّنْيَا
حَدِيثٌ آخَرُ
حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ الْهَيْثَمِ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ بَحِيرِ بْنِ حَاتِمٍ أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْحَضْرَمِيُّ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ قَالَ: ح سَلَّامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِنَّمَا حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا ثَلَاثٌ: الطِّيبُ، وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ " ⦗٢٦⦘ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ: مِنَ الدُّنْيَا، فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ مِنْ بِمَعْنَى فِي فَكَأَنَّهُ قَالَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا» أَيْ: مُدَّةُ كُونِي فِيهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الثَّلَاثَةُ، فيَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي الدُّنْيَا لَا مِنَ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا، وَيَكُونُ قَوْلُهُ ﷺ: «إِنَّمَا حُبِّبَ إِلَيَّ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا» مَا ذَكَرَ إِخْبَارًا مِنْهُ عَنْ بُلُوغِهِ نِهَايَةَ الْكَلَامِ، الْكَمَالُ فِي الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ ﷿، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَدَوَرَانَ أَحْوَالِهَا عَلَى شَيْئَيْنِ: تَعْظِيمِ قَدْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُسْنِ مُعَامَلَةِ خَلْقِ اللَّهِ، وَمَا ذَكَرَ ﷺ أَنَّهُ حُبِّبَ إِلَيْهِ بِجَمِيعِ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَجْمَعُ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الدِّينِ لِتَعْظِيمِ قَدْرِ اللَّهِ، وَأَدَلُّ شَيْءٍ عَلَى إِجْلَالِهِ ﷿، وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَهَا الطَّهَارَةُ سِرًّا وَجَهْرًا، ثُمَّ جَمْعُ الْهِمَّةِ، وَإِخْلَاءُ السِّرِّ وَهُوَ النِّيَّةُ، ثُمَّ الِانْصِرَافُ عَمَّا دُونَ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ بِالْقَصْدِ إِلَيْهِ وَهُوَ التَّوَجُّهُ، ثُمَّ الْإِشَارَةُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ إِلَى نَبْذِ مَا رُبِطَ بِهِ، ثُمَّ أَوَّلُ أَذْكَارِهِ التَّكْبِيرُ، وَهُوَ النِّهَايَةُ فِي تَعْظِيمِ قَدْرِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ أَوَّلُ ثَنَاءٍ فِيهِ ثَنَاءٌ لَا يَشُوبُهُ ذِكْرُ شَيْءٍ سَوَاهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ، ثُمَّ قِرَاءَةُ كَلَامِهِ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ مُنْتَصِبًا قَدْ زَمَّ جَوَارِحَهُ هَيْبَةً وَخُشُوعًا وَإِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا، ثُمَّ تَحْقِيقُ مَا عَبَّرَ بِلِسَانِهِ عَنْ ضَمِيرِهِ مِنَ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ فِعْلًا وَحَرَكَةً، وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَأَذْكَارُهُمَا تَنْزِيهُ اللَّهِ وَإِجْلَالُهُ وَتَعْظِيمُهُ بِقَوْلِهِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَسُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، ثُمَّ مَعَ كُلِّ حَرَكَةٍ تَكْبِيرٌ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ بِإِجْمَاعِهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَجْمَلَ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ، فَكَانَ قَوْلُهُ ﷺ: «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» عِبَارَةً عَنْ تَعْظِيمِهِ قَدْرَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا حُسْنُ مُعَامَلَةِ خَلْقِ اللَّهِ، فَالنِّهَايَةُ فِيهِ أَنْ يُوَفِّرَ عَلَيْهِمْ حُقُوقَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ وَيَرْفَعَهُمْ وَيَبْذِلَ لَهُمْ حُظُوظَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَوْفِيَ مِنْهُمْ حَقَّ نَفْسِهِ، وَلَا يُطَالِبَهُمْ بِحُظُوظِهَا، فَأَخْبَرَ ﷺ عَنْ كَمَالِهِ فِي هَذِهِ الْخَصْلَةِ بِقَوْلِهِ: «الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ»، وَذَلِكَ أَنَّ الطِّيبَ مِنْ حَظِّ الرَّوْحَانِيِّينَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا غَيْرِ الطِّيبِ حَظٌّ، فَأَحَبَّ ﷺ الطِّيبَ إِيفَاءً لِحُقُوقِهِمْ، وَحُسْنَ مُعَامَلَةٍ لَهُمْ مَعَ غِنَاهُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ ﷺ كَانَ أَطْيَبَ رِيحًا مِنْ كُلِّ طِيبٍ فِي الدُّنْيَا
1 / 25
حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ نَاعِمٍ قَالَ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ قَالَ: ح الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، ﵁ قَالَ: مَا مَسِسْتُ حَرِيرَةً، وَلَا خَزًّا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا شَمِمْتُ رَائِحَةً قَطُّ مِسْكًا وَلَا عَنْبَرًا أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَسْتَعْمِلِ الطِّيبَ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ بَلَغَ مِنْ حُبِّهِ لِلطِّيبِ
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ عُقَيْلٍ، قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ح يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ قَالَ: ح خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ عِلْبَاءَ بْنِ أَحْمَدَ، أَنَّ عَلِيًّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَجْعَلَ ثُلُثَهَا فِي الطِّيبِ فَهَذَا حَظُّ الرَّوْحَانِيِّينَ مِنَ الْخَلْقِ، وَبَلَغَ النِّهَايَةَ فِيهِ مِنْ حُبِّهِ لَهُ، فَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُوَفِّرَ عَلَيْهِمْ حُظُوظَهُمْ إِذْ لَيْسَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا غَيْرِ الطِّيبِ حَظٌّ، ثُمَّ عِشْرَةُ النِّسَاءِ وَمُعَامَلَتُهُنَّ أَصْعَبُ وَأَعْسَرُ، لِأَنَّهُنَّ أَضْعَفُ تَرْكِيبًا، وَأَقَلُّ عَقْلًا، وَأَرَقُّ دِينًا، وَأَغْلَبُ عَلَى أَلْبَابِ الرِّجَالِ فَأَخْبَرَ ﷺ أَنَّهُ حُبِّبْنَ إِلَيْهِ، فَحُبِّبَ إِلَيْهِ مُعَامَلَتُهُنَّ وَعِشْرَتُهُنَّ مَعَ ضِيقِ أَخْلَاقِهِنَّ، فَعَامَلَهُنَّ أَحْسَنَ مُعَامَلَةٍ، حَتَّى جَمَعَ بَيْنَ الضَّرَايِرِ، وَهُوَ سَبَبُ الْمَشَاقَّةِ وَالتَّشَاجِّ وَتَغَيُّرِ الْأَخْلَاقِ، حَتَّى بَلَغَ مِنْ حُسْنِ مُعَامَلَتِهِ إِيَّاهُنَّ أَنْ تَحَابَبْنَ وَتَوَاصَلْنَ، وَبَلَغَ مِنْ رِفْقِهِ بِهِنَّ أَنْ عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ﴾ [التحريم: ١]، فَمَنْ كَانَتْ مُعَامَلَتُهُ النِّسَاءَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ، فَمَا ظَنُّكَ فِي مُعَامَلَتِهِ الرِّجَالَ؟، وَكَانَ مِنْ حُسْنِ مُعَامَلَتِهِ ﷺ مَا
ح حَاتِمُ بْنُ عُقَيْلٍ قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ح يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ قَالَ: ح مِنْدَلٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَكَمِ النَّخَعِيِّ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي لشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ؟ وَلَا قَالَ لشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: أَلَا صَنَعْتَهُ؟ وَلَا رَأَيْتُ رُكْبَتَهُ قُدَّامَ رُكْبَةِ جَلِيسِهِ قَطُّ، وَلَا عَابَ طَعَامًا قَطُّ، وَلَا صَافَحَهُ أَحَدٌ قَطُّ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الْمُصَافِحُ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُ يَدَهُ، وَلَا أَصْغَى إِلَيْهِ أَحَدٌ بِرَأْسِهِ فَنَحَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ⦗٢٨⦘ رَأْسَهُ، حَتَّى يَكُونَ الْمُصْغِي هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأْسَهُ، وَلَقَدْ شَمِمْتُ رِيحَ طِيبِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فَمَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ وَلَا رَائِحَةً أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا عَرَقِهِ " وَبَلَغَ مِنْ حُسْنِ مُعَامَلَتِهِ خَلْقَ اللَّهِ أَنْ أَسْلَمَ لَهُ الشَّيْطَانُ
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ عُقَيْلٍ، قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ح يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ قَالَ: ح خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ عِلْبَاءَ بْنِ أَحْمَدَ، أَنَّ عَلِيًّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَجْعَلَ ثُلُثَهَا فِي الطِّيبِ فَهَذَا حَظُّ الرَّوْحَانِيِّينَ مِنَ الْخَلْقِ، وَبَلَغَ النِّهَايَةَ فِيهِ مِنْ حُبِّهِ لَهُ، فَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُوَفِّرَ عَلَيْهِمْ حُظُوظَهُمْ إِذْ لَيْسَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا غَيْرِ الطِّيبِ حَظٌّ، ثُمَّ عِشْرَةُ النِّسَاءِ وَمُعَامَلَتُهُنَّ أَصْعَبُ وَأَعْسَرُ، لِأَنَّهُنَّ أَضْعَفُ تَرْكِيبًا، وَأَقَلُّ عَقْلًا، وَأَرَقُّ دِينًا، وَأَغْلَبُ عَلَى أَلْبَابِ الرِّجَالِ فَأَخْبَرَ ﷺ أَنَّهُ حُبِّبْنَ إِلَيْهِ، فَحُبِّبَ إِلَيْهِ مُعَامَلَتُهُنَّ وَعِشْرَتُهُنَّ مَعَ ضِيقِ أَخْلَاقِهِنَّ، فَعَامَلَهُنَّ أَحْسَنَ مُعَامَلَةٍ، حَتَّى جَمَعَ بَيْنَ الضَّرَايِرِ، وَهُوَ سَبَبُ الْمَشَاقَّةِ وَالتَّشَاجِّ وَتَغَيُّرِ الْأَخْلَاقِ، حَتَّى بَلَغَ مِنْ حُسْنِ مُعَامَلَتِهِ إِيَّاهُنَّ أَنْ تَحَابَبْنَ وَتَوَاصَلْنَ، وَبَلَغَ مِنْ رِفْقِهِ بِهِنَّ أَنْ عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ﴾ [التحريم: ١]، فَمَنْ كَانَتْ مُعَامَلَتُهُ النِّسَاءَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ، فَمَا ظَنُّكَ فِي مُعَامَلَتِهِ الرِّجَالَ؟، وَكَانَ مِنْ حُسْنِ مُعَامَلَتِهِ ﷺ مَا
ح حَاتِمُ بْنُ عُقَيْلٍ قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ح يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ قَالَ: ح مِنْدَلٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَكَمِ النَّخَعِيِّ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي لشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَهُ؟ وَلَا قَالَ لشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: أَلَا صَنَعْتَهُ؟ وَلَا رَأَيْتُ رُكْبَتَهُ قُدَّامَ رُكْبَةِ جَلِيسِهِ قَطُّ، وَلَا عَابَ طَعَامًا قَطُّ، وَلَا صَافَحَهُ أَحَدٌ قَطُّ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الْمُصَافِحُ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُ يَدَهُ، وَلَا أَصْغَى إِلَيْهِ أَحَدٌ بِرَأْسِهِ فَنَحَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ⦗٢٨⦘ رَأْسَهُ، حَتَّى يَكُونَ الْمُصْغِي هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأْسَهُ، وَلَقَدْ شَمِمْتُ رِيحَ طِيبِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فَمَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ وَلَا رَائِحَةً أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا عَرَقِهِ " وَبَلَغَ مِنْ حُسْنِ مُعَامَلَتِهِ خَلْقَ اللَّهِ أَنْ أَسْلَمَ لَهُ الشَّيْطَانُ
1 / 27
مَا حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، قَالَ: ح يَحْيَى قَالَ: ح جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ»، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَإِيَّايَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ» وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: «أَسْلَمَ» فَقِيلَ: اسْتَسْلَمَ، وَقِيلَ: أَسْلَمُ أَنَا مِنْهُ، وَقِيلَ: صَارَ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ اسْتَسْلَمَ، فَهَذَا غَايَةُ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ حَتَّى انْقَادَ لَهُ الْعَدُوُّ وَاسْتَسْلَمَ، وَإِنْ سَلِمَ ﷺ مِنْهُ فَبِحُسْنِ مُعَامَلَتِهِ بَعْدَ عِصْمَةِ رَبِّهِ ﷿، فَسَلِمَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ الرِّفْقِ وَالتَّوَقِّي، وَإِنَّ أَسْلَمَ وَدَخَلَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يُسْتَنْكَرُ إِسْلَامُ قَرِينٍ مِنْ بَيْنِ الْجَمِيعِ، كَمَا لَمْ يُسْتَنْكَرْ كُفْرِ وَاحِدٍ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ مَعَ قَوْلِهِ ﷿ ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦]، وَعِصْيَانُ اثْنَيْنِ هَارُوتَ وَمَارُوتَ، وَيَكُونُ الْوَاحِدُ مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْنِ الْجَمِيعِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وَجْهُ الِاسْتِثْنَاءِ، فَهَذَا مِنْ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مِنْهُ إِيَّاهُ أَنْ أَسْلَمَ الشَّيْطَانُ، فَقَوْلُهُ ﷺ: «إِنَّمَا حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»، عِبَارَةٌ عَنْ بُلُوغِ الْغَايَةِ فِي الْعُبُودِيَّةِ كَمَا قُلْنَا، وَلَمَّا كَانَ ⦗٢٩⦘ أَصْلُ الْعُبُودِيَّةِ الْخَصْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا مِنْ تَعْظِيمِ قَدْرِ اللَّهِ، وَحُسْنِ مُعَامَلَةِ خَلْقِ اللَّهِ، وَكَانَ أَحَدُ الْخَصْلَتَيْنِ أَعْظَمَ مِنَ الْأُخْرَى، وَهِيَ تَعْظِيمُ قَدْرِ اللَّهِ، فَلِذَلِكَ زِيدَ فِي تَحْبِيبِهَا إِلَيْهِ، حَتَّى صَارَتْ قُرَّةَ عَيْنِهِ، فَإِنَّ قُرَّةَ الْعَيْنِ غَايَةُ الْمَحَبَّةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا حُبِّبَ إِلَيَّ فِي الدُّنْيَا الْعُبُودِيَّةُ لِلَّهِ لَا غَيْرَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «مِنْ دُنْيَاكُمْ»، فَيَكُونُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَظٌّ، وَلَا إِلَيْهَا نَظَرٌ، وَلَا لَهَا عِنْدَهُ حَظٌّ، وَأَنَّهَا بِغَيْضَةٌ رَأْسًا، وَالَّذِي حُبِّبَ إِلَيْهِ فِيهَا مَا هُوَ لِلَّهِ ﷿
1 / 28
حَدِيثٌ آخَرُ
ح أَبُو اللَّيْثِ نَصْرُ بْنُ الْفَتْحِ قَالَ: ح أَبُو عِيسَى قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سُورَةَ قَالَ: ح قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَح نَصْرٌ قَالَ: وَح أَبُو عِيسَى قَالَ: ح إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: ح مَعْنٌ قَالَ: ح مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵄، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَأَنَا أُحَرِّمُ بَيْنَ لَابَتَيْهَا» أَيْ طَرَفَيْهَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا أَهْلُهُ وَنُحِبُّهُمْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَهْلُ هَذَا الْجَبَلِ يُحِبُّونَنَا وَنُحِبُّهُمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ﴾ [يوسف: ٨٢] الْآيَةَ، أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَالْعِيرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِشَارَةً مِنْهُ ﷺ إِلَى حُبِّ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَأَنَّهُ حَبِيبُ اللَّهِ أَحَبَّهُ اللَّهُ، فَأَسْكَنَ حُبَّهُ مَا اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ حَيَوَانٍ وَجَمَادٍ، وَقَدْ قَالَ ﷺ: " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا أَمَرَ جَبْرَائِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ ⦗٣٠⦘ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَبَّ فُلَانًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ مَحَبَّتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ " وَذَكَرَ الْمَاءَ
ح أَبُو اللَّيْثِ نَصْرُ بْنُ الْفَتْحِ قَالَ: ح أَبُو عِيسَى قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سُورَةَ قَالَ: ح قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ، وَح نَصْرٌ قَالَ: وَح أَبُو عِيسَى قَالَ: ح إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: ح مَعْنٌ قَالَ: ح مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵄، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَأَنَا أُحَرِّمُ بَيْنَ لَابَتَيْهَا» أَيْ طَرَفَيْهَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا أَهْلُهُ وَنُحِبُّهُمْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَهْلُ هَذَا الْجَبَلِ يُحِبُّونَنَا وَنُحِبُّهُمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ﴾ [يوسف: ٨٢] الْآيَةَ، أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَالْعِيرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِشَارَةً مِنْهُ ﷺ إِلَى حُبِّ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَأَنَّهُ حَبِيبُ اللَّهِ أَحَبَّهُ اللَّهُ، فَأَسْكَنَ حُبَّهُ مَا اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ حَيَوَانٍ وَجَمَادٍ، وَقَدْ قَالَ ﷺ: " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا أَمَرَ جَبْرَائِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ ⦗٣٠⦘ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَبَّ فُلَانًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ مَحَبَّتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ " وَذَكَرَ الْمَاءَ
1 / 29
قَالَ: ح أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: ح عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَارْدَانِي قَالَ: ح عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: ح أَبُو مَسْعُودٍ الزَّجَّاجُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عُمَرَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﵁ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جَبْرَائِيلَ ﵇: إِنِّي أُحِبَّ فُلَانًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُنَادِي جَبْرَائِيلُ ﵇ فِي السَّمَاءِ: رَبُّكُمْ ﷿ يُحِبُّ فُلَانًا، فَأَحِبُّوهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُلْقَى عَلَيْهِ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، وَيَقَعُ عَلَى الْمَاءِ، فَيَشْرَبُهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَيُحِبُّهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَإِذَا بَغَضَ عَبْدًا، فَمِثْلُ ذَلِكَ " فَأَخْبَرَ ﷺ أَنَّهُ تَعَالَى أَحَبَّهُ، فَأَسْكَنَ مَحَبَّتَهُ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَسْكَنَ مَحَبَّتَهُ أَبْعَدَ الْأَشْيَاءِ مِنْ صِفَةِ الْمَحَبَّةِ وَهُوَ الْجَبَلُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ إِبْلَاغًا فِي الْمَحَبَّةِ فِيهِ لَهُ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ ﷿ الْحِجَارَةَ، وَأَخْبَرَ أَنَّ مِنْهَا مَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ، وَيَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ، وَيَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ مَعَ بُعْدِهَا عَنْ أَوْصَافِ اللِّينِ وَالرُّطُوبَةِ مُبَالَغَةً فِي ذِكْرِ قَسْوَةِ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ، فَكَذَلِكَ ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ مَحَبَّةَ الْجَبَلِ إِيَّاهُ مُبَالَغَةً فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ، حَتَّى وَضَعَ فِي الْجَبَلِ مَحَبَّتَهُ، وَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى مَحَبَّتَهُ فِي الْجِذْعِ حَتَّى حَنَّ لَمَّا فَارَقَهُ شَوْقًا إِلَيْهِ وَمَحَبَّةً لَهُ
حَدَّثَنَا نَصْرٌ، قَالَ: ح أَبُو عِيسَى قَالَ: ح مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: ح عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ﵁، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ إِلَى لِزْقِ جِذْعٍ، فَاتَّخَذُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَخَطَبَ عَلَيْهِ، فَحَنَّ الْجِذْعُ حَنِينَ النَّاقَةِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَمَسَّهُ فَسَكَنَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ» ⦗٣١⦘ فَأَخْبَرَ أَنَّ مِنْ مَحَبَّتِهِ إِيَّاهُ حَنَّ، أَلَا تَرَى يَقُولُ، فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، فَكَأَنَّ سُكُونَهُ حِينَ مَسَّهُ أَوِ احْتَضَنَهُ، وَقَوْلُهُ ﷺ: «وَنُحِبُّهُ»، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحَبَّةُ النَّبِيِّ ﷺ الْجَبَلَ عَلَى الْمُجَازَاةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا فَقَدْ آثَرَهُ، وَمِنَ الْحَقِّ أَنْ تُؤْثِرَ مَنْ يُؤْثِرُكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَحَبَّهُ اللَّهُ، قَالَ اللَّهُ ﷿ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١] فَإِذَا كَانَ اتَّبَاعُهُ مُوجِبًا مَحَبَّةَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِمَحَبَّتِهِ، وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ أَحَبَّهُ أَحِبَّاءُ اللَّهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَيِّدُ أَحِبَّاءِ اللَّهِ، فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ يُحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى حُبِّهِ للَّهِ؛ لِأَنَّهُ ﷺ عَلِمَ أَنَّ أَقْدَرَ مَوْضِعِ الْإِشَارَةِ إِلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ إِيَّاهُ، فَكَأَنَّهُ ﷺ أَخْبَرَ عَنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ بِقَوْلِهِ: «يُحِبُّنَا»، وَأَخْبَرَ عَنْ مَحَبَّتِهِ لَهُ ﷿ بِقَوْلِهِ: «وَنُحِبُّهُ»، وَالْجَبَلُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْحَبِيبَيْنِ، اللَّهِ وَرَسُولِهِ، كَمَا كَانَتِ الشَّجَرَةُ وَاسِطَةً بَيْنَ الْكَلِيمَيْنِ اللَّهِ وَمُوسَى
حَدَّثَنَا نَصْرٌ، قَالَ: ح أَبُو عِيسَى قَالَ: ح مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: ح عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ﵁، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ إِلَى لِزْقِ جِذْعٍ، فَاتَّخَذُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَخَطَبَ عَلَيْهِ، فَحَنَّ الْجِذْعُ حَنِينَ النَّاقَةِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَمَسَّهُ فَسَكَنَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ» ⦗٣١⦘ فَأَخْبَرَ أَنَّ مِنْ مَحَبَّتِهِ إِيَّاهُ حَنَّ، أَلَا تَرَى يَقُولُ، فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، فَكَأَنَّ سُكُونَهُ حِينَ مَسَّهُ أَوِ احْتَضَنَهُ، وَقَوْلُهُ ﷺ: «وَنُحِبُّهُ»، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحَبَّةُ النَّبِيِّ ﷺ الْجَبَلَ عَلَى الْمُجَازَاةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا فَقَدْ آثَرَهُ، وَمِنَ الْحَقِّ أَنْ تُؤْثِرَ مَنْ يُؤْثِرُكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَحَبَّهُ اللَّهُ، قَالَ اللَّهُ ﷿ ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١] فَإِذَا كَانَ اتَّبَاعُهُ مُوجِبًا مَحَبَّةَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِمَحَبَّتِهِ، وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ أَحَبَّهُ أَحِبَّاءُ اللَّهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَيِّدُ أَحِبَّاءِ اللَّهِ، فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ يُحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى حُبِّهِ للَّهِ؛ لِأَنَّهُ ﷺ عَلِمَ أَنَّ أَقْدَرَ مَوْضِعِ الْإِشَارَةِ إِلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ إِيَّاهُ، فَكَأَنَّهُ ﷺ أَخْبَرَ عَنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ بِقَوْلِهِ: «يُحِبُّنَا»، وَأَخْبَرَ عَنْ مَحَبَّتِهِ لَهُ ﷿ بِقَوْلِهِ: «وَنُحِبُّهُ»، وَالْجَبَلُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْحَبِيبَيْنِ، اللَّهِ وَرَسُولِهِ، كَمَا كَانَتِ الشَّجَرَةُ وَاسِطَةً بَيْنَ الْكَلِيمَيْنِ اللَّهِ وَمُوسَى
1 / 30
حَدِيثٌ آخَرُ
ح مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الرَّشَادِيُّ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ الضَّوِّ قَالَ: ح كَثِيرٌ الْعَبْدِيُّ قَالَ ح سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصِّحَّةَ، وَالْعِفَّةَ، وَالْأَمَانَةَ، وَحُسْنَ الْخُلُقِ، وَالرِّضَا بِالْقَدَرِ» . قَالَ الشَّيْخُ ﵀: الصِّحَّةُ فِي إِقَامَةِ الْأَوَامِرِ، وَالْعِفَّةُ الِانْتِهَاءُ عَنِ الزَّوَاجِرِ، وَالْأَمَانَةُ ذَمُّ الْجَوَارِحِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ تَحَمُّلُ أَثْقَالِ الْخَلْقِ، وَهُوَ بِتَحَقُّقِ الْعُبُودِيَّةِ، وَالرِّضَا بِالْقَدَرِ مُشَاهَدَةُ الرُّبُوبِيَّةِ
ح مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الرَّشَادِيُّ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ الضَّوِّ قَالَ: ح كَثِيرٌ الْعَبْدِيُّ قَالَ ح سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصِّحَّةَ، وَالْعِفَّةَ، وَالْأَمَانَةَ، وَحُسْنَ الْخُلُقِ، وَالرِّضَا بِالْقَدَرِ» . قَالَ الشَّيْخُ ﵀: الصِّحَّةُ فِي إِقَامَةِ الْأَوَامِرِ، وَالْعِفَّةُ الِانْتِهَاءُ عَنِ الزَّوَاجِرِ، وَالْأَمَانَةُ ذَمُّ الْجَوَارِحِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ تَحَمُّلُ أَثْقَالِ الْخَلْقِ، وَهُوَ بِتَحَقُّقِ الْعُبُودِيَّةِ، وَالرِّضَا بِالْقَدَرِ مُشَاهَدَةُ الرُّبُوبِيَّةِ
1 / 31
حَدِيثٌ آخَرُ
ح مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الرَّشَادِيُّ قَالَ: ح أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: ح عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ قَالَ: ح صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ لَاهٍ» . قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: مَعْنَى قَوْلِهِ: «وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ» أَيْ: كُونُوا عَلَى حَالَةٍ تَسْتَحِقُّونَ الْإِجَابَةَ أَيْ بِحُضُورِ السِّرِّ، وَصِحَّةِ الْحَالِ، حَتَّى يَكُونَ مَعْرُوفًا فِي الْمَلَكُوتِ، حَتَّى يُقَالَ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَنَّ يَكُونَ تَعَرَّفَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَدَاءِ أَوَامِرِهِ، وَاجْتِنَابِ مَنَاهِيهِ، وَقَبُولِ أَحْكَامِهِ غَيْرَ مُتَسَخِّطٍ، ثُمَّ يَدْعُوهُ، وَلَا يَكُونُ فِي سِرِّهِ غَيْرُهُ إِلَّا سِوَاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: ٣٣] أَيْ: رَاجِعٍ إِلَيْهِ عَمَّا سِوَاهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْطَرًا إِلَيْهِ، فَقَدِ انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ عَمَّا سِوَاهُ، لَا يَرْجِعُ إِلَّا حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَلَا إِلَى أَفْعَالِهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: ٦٢]، قَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُضْطَرُّ الَّذِي إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ يَدَهُ لَمْ يَرَ لِنَفْسِهِ عَمَلًا، فَإِذًا كَذَلِكَ أَيْقَنَ بِإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ ﷿ وَعَدَ إِجَابَةَ مَنْ دَعَاهُ، وَهَذِهِ شَرَائِطُ مَنْ يُجِيبُ دُعَاءَهُ، وَمَنْ أَتَى بِهَا فَاللَّهُ مُنْجِزٌ لَهُ وَعْدَهُ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
حَدِيثٌ آخَرُ
ح عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْحَسَنِ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْعُمَرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، ﵁ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ خَيْرٌ، أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي؟ فَقَالَ: " نَزَلَ عَلَيَّ جِبْرِيلُ ﵇ فَقَالَ: إِنَّ خَيْرَ الدُّعَاءِ أَنْ تَقُولَ فِي صَلَاتِكَ: اللَّهُمَّ ⦗٣٣⦘ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ، وَلَكَ الْخَلْقُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ " قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: قَوْلُهُ: «لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ» مَوْضِعُ الصَّفَاءِ وَالِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ «وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ» مَوْضِعُ الْكِفَايَةِ بِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ. «وَلَكَ الْخَلْقُ كُلُّهُ» مَوْضِعُ الْأَمْنِ بِهِ وَالسُّكُونِ. «وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» مَوْضِعُ الْإِخْلَاصِ لَهُ وَالتَّبَرِّي إِلَيْهِ. «أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ» مَوْضِعُ الْوُقُوفِ مَعَهُ، وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ. «وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهُ» الرُّجُوعُ إِلَى نَفْسِكَ وَأَوْصَافِهَا "
ح مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الرَّشَادِيُّ قَالَ: ح أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: ح عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ قَالَ: ح صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ لَاهٍ» . قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: مَعْنَى قَوْلِهِ: «وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ» أَيْ: كُونُوا عَلَى حَالَةٍ تَسْتَحِقُّونَ الْإِجَابَةَ أَيْ بِحُضُورِ السِّرِّ، وَصِحَّةِ الْحَالِ، حَتَّى يَكُونَ مَعْرُوفًا فِي الْمَلَكُوتِ، حَتَّى يُقَالَ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَنَّ يَكُونَ تَعَرَّفَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَدَاءِ أَوَامِرِهِ، وَاجْتِنَابِ مَنَاهِيهِ، وَقَبُولِ أَحْكَامِهِ غَيْرَ مُتَسَخِّطٍ، ثُمَّ يَدْعُوهُ، وَلَا يَكُونُ فِي سِرِّهِ غَيْرُهُ إِلَّا سِوَاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: ٣٣] أَيْ: رَاجِعٍ إِلَيْهِ عَمَّا سِوَاهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْطَرًا إِلَيْهِ، فَقَدِ انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ عَمَّا سِوَاهُ، لَا يَرْجِعُ إِلَّا حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ، وَلَا إِلَى أَفْعَالِهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: ٦٢]، قَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُضْطَرُّ الَّذِي إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ يَدَهُ لَمْ يَرَ لِنَفْسِهِ عَمَلًا، فَإِذًا كَذَلِكَ أَيْقَنَ بِإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ ﷿ وَعَدَ إِجَابَةَ مَنْ دَعَاهُ، وَهَذِهِ شَرَائِطُ مَنْ يُجِيبُ دُعَاءَهُ، وَمَنْ أَتَى بِهَا فَاللَّهُ مُنْجِزٌ لَهُ وَعْدَهُ، وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
حَدِيثٌ آخَرُ
ح عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: ح يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْحَسَنِ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْعُمَرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، ﵁ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ خَيْرٌ، أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي؟ فَقَالَ: " نَزَلَ عَلَيَّ جِبْرِيلُ ﵇ فَقَالَ: إِنَّ خَيْرَ الدُّعَاءِ أَنْ تَقُولَ فِي صَلَاتِكَ: اللَّهُمَّ ⦗٣٣⦘ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ، وَلَكَ الْخَلْقُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ " قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: قَوْلُهُ: «لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ» مَوْضِعُ الصَّفَاءِ وَالِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ «وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ» مَوْضِعُ الْكِفَايَةِ بِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ. «وَلَكَ الْخَلْقُ كُلُّهُ» مَوْضِعُ الْأَمْنِ بِهِ وَالسُّكُونِ. «وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» مَوْضِعُ الْإِخْلَاصِ لَهُ وَالتَّبَرِّي إِلَيْهِ. «أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ» مَوْضِعُ الْوُقُوفِ مَعَهُ، وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ. «وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهُ» الرُّجُوعُ إِلَى نَفْسِكَ وَأَوْصَافِهَا "
1 / 32
حَدِيثٌ آخَرُ
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّهْقَانُ، قَالَ: ح أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَكْرِيُّ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ: ح مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ح عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُلَيْكِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ أُذِنَ لَهُ بِالدُّعَاءِ مِنْكُمْ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَمَا يُسْأَلُ اللَّهُ شَيْئًا قَطُّ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ قَدْرِ الدُّعَاءِ، وَالتَّنْبِيهِ لِعَظِيمِ الْمِنَّةِ، وَشَرَفِ الْمَنْزِلَةِ أَعْطَى الْعَبْدَ مَا سُئِلَ أَوْ مَنَعَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أُذِنَ لَهُ بِالدُّعَاءِ فَقَدْ جَذَبَهُ الْحَقُّ ﷿ إِلَيْهِ، وَصَرَفَهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَأَلْجَأَهُ إِلَى كَنَفِهِ، وَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَاخْتَصَّهُ بِهِ، وَشَغَلَهُ بِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ صَرَّفَ قَلْبَهُ بِالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ، وَشَغَلَ لِسَانَهُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَذَمَّ جَوَارِحَهُ بِالْمُثُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا تَدْرِي مَا صَنَعَ عِنْدَمَا أَعْطَى فُلَانًا، أُعْطِيَ الْمُلْكَ كُلَّهُ لِمَكَانٍ مَا، أُعْطِيَ فِي الدُّعَاءِ أَكْثَرَ، عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ لَا شَكَّ يُجَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]، هَذِهِ سِينُ التَّوْكِيدِ، وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَسَمِ عِنْدَ ⦗٣٤⦘ أَصْحَابِ الْمَعَانِي، وَقَوْلُهُ ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل: ٦٢] فِيهِ إِضْمَارٌ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجِيبُهُ لَا غَيْرُهُ، وَقَالَ ﷿ ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠]، فَإِذَا دُعِيَ بِأَسْمَائِهِ وَأُثْنِيَ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ، لَا بُدَّ أَنْ يُجِيبَهُ، لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ رُجُوعَ الْعِلَّةِ إِلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا، لَا إِلَى الْعَبْدِ، وَيَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ»، وَكَيْفَ لَا يُجِيبُهُ؟ وَهُوَ يُحِبُّ صَوْتَهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا فَتَحَ عَلَيْهِ الدُّعَاءَ لَهُ. وَالْإِجَابَةُ نَوْعَانِ: قَدْ يَكُونُ بِالْمُرَادِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ، وَالِاسْتِجَابَةُ لَيْسَ إِلَّا إِجَابَةٌ عَنِ الْمُرَادِ
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّهْقَانُ، قَالَ: ح أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَكْرِيُّ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ: ح مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ح عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُلَيْكِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ أُذِنَ لَهُ بِالدُّعَاءِ مِنْكُمْ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَمَا يُسْأَلُ اللَّهُ شَيْئًا قَطُّ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ قَدْرِ الدُّعَاءِ، وَالتَّنْبِيهِ لِعَظِيمِ الْمِنَّةِ، وَشَرَفِ الْمَنْزِلَةِ أَعْطَى الْعَبْدَ مَا سُئِلَ أَوْ مَنَعَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أُذِنَ لَهُ بِالدُّعَاءِ فَقَدْ جَذَبَهُ الْحَقُّ ﷿ إِلَيْهِ، وَصَرَفَهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَأَلْجَأَهُ إِلَى كَنَفِهِ، وَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَاخْتَصَّهُ بِهِ، وَشَغَلَهُ بِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ صَرَّفَ قَلْبَهُ بِالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ، وَشَغَلَ لِسَانَهُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَذَمَّ جَوَارِحَهُ بِالْمُثُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا تَدْرِي مَا صَنَعَ عِنْدَمَا أَعْطَى فُلَانًا، أُعْطِيَ الْمُلْكَ كُلَّهُ لِمَكَانٍ مَا، أُعْطِيَ فِي الدُّعَاءِ أَكْثَرَ، عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ لَا شَكَّ يُجَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]، هَذِهِ سِينُ التَّوْكِيدِ، وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ الْقَسَمِ عِنْدَ ⦗٣٤⦘ أَصْحَابِ الْمَعَانِي، وَقَوْلُهُ ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل: ٦٢] فِيهِ إِضْمَارٌ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجِيبُهُ لَا غَيْرُهُ، وَقَالَ ﷿ ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠]، فَإِذَا دُعِيَ بِأَسْمَائِهِ وَأُثْنِيَ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ، لَا بُدَّ أَنْ يُجِيبَهُ، لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ رُجُوعَ الْعِلَّةِ إِلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا، لَا إِلَى الْعَبْدِ، وَيَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ»، وَكَيْفَ لَا يُجِيبُهُ؟ وَهُوَ يُحِبُّ صَوْتَهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا فَتَحَ عَلَيْهِ الدُّعَاءَ لَهُ. وَالْإِجَابَةُ نَوْعَانِ: قَدْ يَكُونُ بِالْمُرَادِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ، وَالِاسْتِجَابَةُ لَيْسَ إِلَّا إِجَابَةٌ عَنِ الْمُرَادِ
1 / 33
حَدِيثٌ آخَرُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ح إِسْمَاعِيلُ بْنُ تَوْبَةَ قَالَ: ح عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا صَبَّ عَلَيْهِ الْبَلَاءَ صَبًّا، وَسَحَبَهُ عَلَيْهِ سَحْبًا، فَإِذَا دَعَا، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ، وَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: يَا رَبِّ عَبْدُكَ فُلَانٌ، اقْضِ لَهُ حَاجَتَهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دَعُوا عَبْدِي، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ، فَإِذَا قَالَ: يَا رَبِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَبَّيْكَ عَبْدِي، وَسَعْدَيْكَ، لَا تَدْعُونِي بشَيْءٍ إِلَّا اسْتَجَبْتُ لَكَ، وَلَا تَسْأَلُنِي شَيْئًا إِلَّا أَعْطَيْتُكَ، إِمَّا أَنْ أُعَجِّلَ لَكَ مَا سَأَلْتَ، وَإِمَّا أَنْ أَدَّخِرَ لَكَ عِنْدِي أَفْضَلَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ أَدْفَعَ عَنْكَ مِنَ الْبَلَاءِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ " ⦗٣٥⦘ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: «لَا تَدْعُونِي لشَيْءٍ إِلَّا اسْتَجَبْتُ لَكَ»، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ: الْإِجَابَةُ نَوْعَانِ، قَدْ يَكُونُ بِالْمُرَادِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ، وَالِاسْتِجَابَةُ لَيْسَ إِلَّا إِجَابَةٌ عَنِ الْمُرَادِ، فَقَدْ صَحَّ قَوْلُ أَصْحَابِ الْمَعَانِي: أَنَّ هَذِهِ السِّينَ تَقُومُ مَقَامَ الْقَسَمِ، وَاللَّهُ ﷿ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَمَا ظَنُّكَ إِذَا أَكَّدَ بِالْقَسَمِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: " أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ ﵇ أَنْ قُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: لَا تَدْعُونِي، فَإِنِّي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا يَدْعُونِي أَحَدٌ إِلَّا أَجَبْتُهُ، وَإِنَّهُمْ إِنْ دَعَوْنِي أَجَبْتُهُمْ بِاللَّعْنَةِ " هَذَا مَعْنَى الرَّاوِيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِلَفْظِهِ، فَقَدْ أَخْبَرَ أَنْهُ يُجِيبُ مَنْ دَعَاهُ، وَكَفَى بِهِ شَرَفًا أَنْ تَدَعُوَهُ فَيُجِيبَكَ، فَأَمَّا السُّؤَالُ فَقَدْ شَرَطَ الِاخْتِيَارَ لَكَ، كَمَا قَالَ: «إِمَّا أَنْ أُعَجِّلَ لَكَ، أَوْ أَدَّخِرَ، أَوْ أَدْفَعَ عَنْكَ»، فَحَسْبُكَ شَرَفًا أَنْ يَخْتَارَ لَكَ مَوْلَاكَ ﷿، وَلَأَنْ تُمْنَعَ مَا سَأَلْتَ أَعْظَمُ وَأَشْرَفُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: «أَوْ أَدَّخِرَ لَكَ عِنْدِي» هَاهْ لَوْ عَلِمْتَ قَوْلَهُ: «عِنْدِي» لَهَانَ عَلَيْكَ أَنْ يُسْلَخَ جِلْدُكَ وَأَنْتَ حَيٌّ، فَكَيْفَ بِمَا صَرَفَ عَنْكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «مَا يُسْأَلُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا»، أَمَّا الْعَفْوُ: فَأَنْ يَخْتَصَّكَ لِنَفْسِهِ، وَيُسِرَّكَ عَنْ غَيْرِهِ، فَيُعَفَّى عَلَى أَثَرِكَ، فَلَا يُفْطَنَ بِكَ، وَلَا يُعْرَفَ مَذْهَبُكَ، فَيَفُوتَ عَدُوُّكَ إِنْ أَرَادَكَ وَسَائِرُ الْخَلْقِ أَنْ يَفْتِنُوكَ، وَنَفْسُكَ أَنْ يُطَالِبَكَ بِحُظُوظِهَا. وَالْعَافِيَةُ أَنْ يَعْصِمَكَ عَمَّا سِوَاهُ، فَلَا يَكُونُ لَكَ إِلَى غَيْرِهِ رُجُوعٌ، وَلَا إِلَى سِوَاهُ نَظَرٌ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمُصَنِّفُ ﵀: الدُّعَاءُ مِثْلُ قَوْلِهِ: يَا اللَّهُ، يَا رَحْمَنُ، فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا دَعَاهُ، وَوَصَفَهُ كَمَا هُوَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]، وَأَمَّا الْكُفَّارُ إِذَا دَعَوْا فَلَمْ يَصِفُوهُ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِجَابَةَ تَكُونُ اللَّعْنَةَ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ لَبَّيْكَ. وَقَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»، لَا يَكُونُ دُعَاءً، وَإِنَّمَا هُوَ سُؤَالٌ، وَالسُّؤَالُ غَيْرُ الدُّعَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ح إِسْمَاعِيلُ بْنُ تَوْبَةَ قَالَ: ح عَفِيفُ بْنُ سَالِمٍ الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا صَبَّ عَلَيْهِ الْبَلَاءَ صَبًّا، وَسَحَبَهُ عَلَيْهِ سَحْبًا، فَإِذَا دَعَا، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ، وَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: يَا رَبِّ عَبْدُكَ فُلَانٌ، اقْضِ لَهُ حَاجَتَهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دَعُوا عَبْدِي، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ، فَإِذَا قَالَ: يَا رَبِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَبَّيْكَ عَبْدِي، وَسَعْدَيْكَ، لَا تَدْعُونِي بشَيْءٍ إِلَّا اسْتَجَبْتُ لَكَ، وَلَا تَسْأَلُنِي شَيْئًا إِلَّا أَعْطَيْتُكَ، إِمَّا أَنْ أُعَجِّلَ لَكَ مَا سَأَلْتَ، وَإِمَّا أَنْ أَدَّخِرَ لَكَ عِنْدِي أَفْضَلَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ أَدْفَعَ عَنْكَ مِنَ الْبَلَاءِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ " ⦗٣٥⦘ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: «لَا تَدْعُونِي لشَيْءٍ إِلَّا اسْتَجَبْتُ لَكَ»، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ: الْإِجَابَةُ نَوْعَانِ، قَدْ يَكُونُ بِالْمُرَادِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ، وَالِاسْتِجَابَةُ لَيْسَ إِلَّا إِجَابَةٌ عَنِ الْمُرَادِ، فَقَدْ صَحَّ قَوْلُ أَصْحَابِ الْمَعَانِي: أَنَّ هَذِهِ السِّينَ تَقُومُ مَقَامَ الْقَسَمِ، وَاللَّهُ ﷿ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَمَا ظَنُّكَ إِذَا أَكَّدَ بِالْقَسَمِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: " أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ ﵇ أَنْ قُلْ لِظَلَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: لَا تَدْعُونِي، فَإِنِّي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا يَدْعُونِي أَحَدٌ إِلَّا أَجَبْتُهُ، وَإِنَّهُمْ إِنْ دَعَوْنِي أَجَبْتُهُمْ بِاللَّعْنَةِ " هَذَا مَعْنَى الرَّاوِيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِلَفْظِهِ، فَقَدْ أَخْبَرَ أَنْهُ يُجِيبُ مَنْ دَعَاهُ، وَكَفَى بِهِ شَرَفًا أَنْ تَدَعُوَهُ فَيُجِيبَكَ، فَأَمَّا السُّؤَالُ فَقَدْ شَرَطَ الِاخْتِيَارَ لَكَ، كَمَا قَالَ: «إِمَّا أَنْ أُعَجِّلَ لَكَ، أَوْ أَدَّخِرَ، أَوْ أَدْفَعَ عَنْكَ»، فَحَسْبُكَ شَرَفًا أَنْ يَخْتَارَ لَكَ مَوْلَاكَ ﷿، وَلَأَنْ تُمْنَعَ مَا سَأَلْتَ أَعْظَمُ وَأَشْرَفُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: «أَوْ أَدَّخِرَ لَكَ عِنْدِي» هَاهْ لَوْ عَلِمْتَ قَوْلَهُ: «عِنْدِي» لَهَانَ عَلَيْكَ أَنْ يُسْلَخَ جِلْدُكَ وَأَنْتَ حَيٌّ، فَكَيْفَ بِمَا صَرَفَ عَنْكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: «مَا يُسْأَلُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا»، أَمَّا الْعَفْوُ: فَأَنْ يَخْتَصَّكَ لِنَفْسِهِ، وَيُسِرَّكَ عَنْ غَيْرِهِ، فَيُعَفَّى عَلَى أَثَرِكَ، فَلَا يُفْطَنَ بِكَ، وَلَا يُعْرَفَ مَذْهَبُكَ، فَيَفُوتَ عَدُوُّكَ إِنْ أَرَادَكَ وَسَائِرُ الْخَلْقِ أَنْ يَفْتِنُوكَ، وَنَفْسُكَ أَنْ يُطَالِبَكَ بِحُظُوظِهَا. وَالْعَافِيَةُ أَنْ يَعْصِمَكَ عَمَّا سِوَاهُ، فَلَا يَكُونُ لَكَ إِلَى غَيْرِهِ رُجُوعٌ، وَلَا إِلَى سِوَاهُ نَظَرٌ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمُصَنِّفُ ﵀: الدُّعَاءُ مِثْلُ قَوْلِهِ: يَا اللَّهُ، يَا رَحْمَنُ، فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا دَعَاهُ، وَوَصَفَهُ كَمَا هُوَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]، وَأَمَّا الْكُفَّارُ إِذَا دَعَوْا فَلَمْ يَصِفُوهُ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِجَابَةَ تَكُونُ اللَّعْنَةَ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ لَبَّيْكَ. وَقَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»، لَا يَكُونُ دُعَاءً، وَإِنَّمَا هُوَ سُؤَالٌ، وَالسُّؤَالُ غَيْرُ الدُّعَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
1 / 34
حَدِيثٌ آخَرُ
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: ح ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ قَالَ: ح يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: ح عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُلَيْكَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: مَعْنَى قَوْلِهِ: «يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ»، هُوَ مَا قُلْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ لَكَ شَرَفَ الْإِذْنِ فِي الدُّعَاءِ، وَفَتْحِ أَبْوَابِ الرَّحْمَةِ، وَأَنْ يَكُونَ دَاعِيًا لَهُ مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ، مُثِيبًا عَلَيْهِ، ذَاكِرًا لَهُ، وَهَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا تَسْأَلُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ يُسَهِّلُ عَلَى الدَّاعِي تَحَمُّلَ مَا نَزَلَ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمُصِيبَةِ، وَيُضَاعِفُ لَهُ ثَوَابَ مَا نَزَلَ؛ لِأَنَّهُ يَحُوزُ ثَوَابَ الْمُصِيبَةِ وَالْبَلَاءِ، وَثَوَابَ الِافْتِقَارِ وَالِاضْطِرَابِ إِلَيْهِ، وَشَرَفَ الدُّعَاءِ لَهُ، وَيَكُونُ الدُّعَاءُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ سَبَبَ الصَّبْرِ وَالرِّضَا، وَسَبَبَ الْعِصْمَةِ عَنِ الْجَزَعِ الَّذِي لَمْ يُحْرَمِ الثَّوَابَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ بِأَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ، أَوْ يُخَفِّفَ عَلَيْهِ، أَوْ يُنْزِلَ مَعَهُ تَوْفِيقَ الصَّبْرِ، وَالرِّضَا وَالشُّكْرِ، وَيُعْطِيَهُ الْعِوَضَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
حَدِيثٌ آخَرُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ، قَالَ: ح أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﵁، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ» ⦗٣٧⦘ قَالَ الشَّيْخُ ﵀: هَذِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ وَقِلَّتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ لِلشَّهْوَةِ، وَالْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ لِلضَّرُورَةِ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ رِزْقِي فِي حَصَاةٍ أَلُوكُهَا، حَتَّى أَمُوتَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «حَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ»، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ وِعَاءٍ إِذَا مُلِئَ شَرٌّ مِنَ الْبَطْنِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامٍ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» . وَهَذَا نِهَايَةُ مَا صَحَّ مِنَ الْأَكْلِ، وَهُوَ ثُلُثُ الْبَطْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: «فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ»، فَإِنَّهُ بِقَوْلِهِ: لَا تَمْلَأُنَّ بُطُونَكُمْ؛ فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ مَالِئِيهِ فَامْلَئُوا ثُلُثَهُ بِالطَّعَامِ، وَلَا تَزِيدُوا عَلَيْهِ، جَعَلَ النِّهَايَةَ ثُلُثَ الْبَطْنِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ النِّهَايَةُ ثُلُثَ الْبَطْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِيَارُ نِصْفَ ذَلِكَ، وَهُوَ السُّدُسُ، ثُمَّ يُنْقِصُ الْمُؤْمِنُ مِنْ هَذَا الْحَدِّ شَيْئًا، فَيَصِيرُ سُبْعَ الْبَطْنِ، فَكَأَنَّهُ يَأْكُلُ سُبْعَ مَا يَأْكُلُ الْمُمْتَلِئُ جَوْفُهُ الَّذِي يَصِيرُ بَطْنُهُ شَرَّ وِعَاءٍ مُلِئَ، وَالْكَافِرُ يَمْلَأُهُ، فَيَكُونُ بَطْنُهُ شَرَّ وِعَاءٍ، كَمَا أَنَّهُ شَرُّ الْخَلْقِ، وَأَحْرَى أَنَّ شَهَوَاتِ الطَّعَامِ تَنْقَسِمُ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا: شَهْوَةُ الطَّبْعِ، وَشَهْوَةُ النَّفْسِ، وَشَهْوَةُ الْعَيْنِ، وَشَهْوَةُ الْفَمِ، وَشَهْوَةُ الْأُذُنِ، وَشَهْوَةُ الْأَنْفِ، وَالضَّرُورَةُ سَابِعُهَا ⦗٣٨⦘. فَالطَّعَامُ يُؤْكَلُ لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ الْجُوعُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ تَسْكِينِهِ، وَيَرَى الْإِنْسَانُ الطَّعَامَ فَيَشْتَهِيهِ فَيَأْكُلُ، وَلَيْسَ لَهُ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، وَيَشُمُّ رَائِحَةَ الطَّعَامِ فَيَشْتَهِيهِ فَيَأْكُلُ، وَيَسْتَلِذُّ الطَّعَامَ فَيَأْكُلُ، وَيَسْمَعُ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَيَشْتَهِيهِ فَيَأْكُلُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَوْفَى مِنَ الطَّعَامِ، وَيَشْتَهِي الْحَامِضَ، وَالْحُلْوَ، وَالْمُرَّ، وَالْمِزَّ، فَيَأْكُلُ بِشَهْوَةِ طَبْعِهِ، فَأَمَّا شَهْوَةُ النَّفْسِ فَإِنَّهَا لَا تَقِفُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْءَ رُبَّمَا يَعَافُ الطَّعَامَ لِامْتِلَائِهِ، وَيَشْتَهِي مَا يَشْتَهِيهِ، وَيُهَيِّئُ الطَّعَامَ لِوَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَالَّذِي يَأْكُلُ لِلشَّهْوَةِ رُبَّمَا جَمَعَ هَذِهِ الشَّهَوَاتِ كُلَّهَا، وَالْمُؤْمِنُ لَا يَأْكُلُ لِلشَّهْوَةِ، وَلَكِنْ يَأْكُلُ لِلضَّرُورَةِ، فَهُوَ سُبْعُ مَا يَأْكُلُ الْكَافِرُ
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: ح ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ قَالَ: ح يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: ح عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُلَيْكَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: مَعْنَى قَوْلِهِ: «يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ»، هُوَ مَا قُلْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ لَكَ شَرَفَ الْإِذْنِ فِي الدُّعَاءِ، وَفَتْحِ أَبْوَابِ الرَّحْمَةِ، وَأَنْ يَكُونَ دَاعِيًا لَهُ مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ، مُثِيبًا عَلَيْهِ، ذَاكِرًا لَهُ، وَهَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا تَسْأَلُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ يُسَهِّلُ عَلَى الدَّاعِي تَحَمُّلَ مَا نَزَلَ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمُصِيبَةِ، وَيُضَاعِفُ لَهُ ثَوَابَ مَا نَزَلَ؛ لِأَنَّهُ يَحُوزُ ثَوَابَ الْمُصِيبَةِ وَالْبَلَاءِ، وَثَوَابَ الِافْتِقَارِ وَالِاضْطِرَابِ إِلَيْهِ، وَشَرَفَ الدُّعَاءِ لَهُ، وَيَكُونُ الدُّعَاءُ بَعْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ سَبَبَ الصَّبْرِ وَالرِّضَا، وَسَبَبَ الْعِصْمَةِ عَنِ الْجَزَعِ الَّذِي لَمْ يُحْرَمِ الثَّوَابَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ بِأَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ، أَوْ يُخَفِّفَ عَلَيْهِ، أَوْ يُنْزِلَ مَعَهُ تَوْفِيقَ الصَّبْرِ، وَالرِّضَا وَالشُّكْرِ، وَيُعْطِيَهُ الْعِوَضَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
حَدِيثٌ آخَرُ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ، قَالَ: ح أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﵁، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ» ⦗٣٧⦘ قَالَ الشَّيْخُ ﵀: هَذِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ وَقِلَّتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ لِلشَّهْوَةِ، وَالْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ لِلضَّرُورَةِ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ رِزْقِي فِي حَصَاةٍ أَلُوكُهَا، حَتَّى أَمُوتَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «حَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ»، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ وِعَاءٍ إِذَا مُلِئَ شَرٌّ مِنَ الْبَطْنِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامٍ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» . وَهَذَا نِهَايَةُ مَا صَحَّ مِنَ الْأَكْلِ، وَهُوَ ثُلُثُ الْبَطْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: «فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ»، فَإِنَّهُ بِقَوْلِهِ: لَا تَمْلَأُنَّ بُطُونَكُمْ؛ فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ مَالِئِيهِ فَامْلَئُوا ثُلُثَهُ بِالطَّعَامِ، وَلَا تَزِيدُوا عَلَيْهِ، جَعَلَ النِّهَايَةَ ثُلُثَ الْبَطْنِ، فَيَجِبُ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ النِّهَايَةُ ثُلُثَ الْبَطْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِيَارُ نِصْفَ ذَلِكَ، وَهُوَ السُّدُسُ، ثُمَّ يُنْقِصُ الْمُؤْمِنُ مِنْ هَذَا الْحَدِّ شَيْئًا، فَيَصِيرُ سُبْعَ الْبَطْنِ، فَكَأَنَّهُ يَأْكُلُ سُبْعَ مَا يَأْكُلُ الْمُمْتَلِئُ جَوْفُهُ الَّذِي يَصِيرُ بَطْنُهُ شَرَّ وِعَاءٍ مُلِئَ، وَالْكَافِرُ يَمْلَأُهُ، فَيَكُونُ بَطْنُهُ شَرَّ وِعَاءٍ، كَمَا أَنَّهُ شَرُّ الْخَلْقِ، وَأَحْرَى أَنَّ شَهَوَاتِ الطَّعَامِ تَنْقَسِمُ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا: شَهْوَةُ الطَّبْعِ، وَشَهْوَةُ النَّفْسِ، وَشَهْوَةُ الْعَيْنِ، وَشَهْوَةُ الْفَمِ، وَشَهْوَةُ الْأُذُنِ، وَشَهْوَةُ الْأَنْفِ، وَالضَّرُورَةُ سَابِعُهَا ⦗٣٨⦘. فَالطَّعَامُ يُؤْكَلُ لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ الْجُوعُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ تَسْكِينِهِ، وَيَرَى الْإِنْسَانُ الطَّعَامَ فَيَشْتَهِيهِ فَيَأْكُلُ، وَلَيْسَ لَهُ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، وَيَشُمُّ رَائِحَةَ الطَّعَامِ فَيَشْتَهِيهِ فَيَأْكُلُ، وَيَسْتَلِذُّ الطَّعَامَ فَيَأْكُلُ، وَيَسْمَعُ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَيَشْتَهِيهِ فَيَأْكُلُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَوْفَى مِنَ الطَّعَامِ، وَيَشْتَهِي الْحَامِضَ، وَالْحُلْوَ، وَالْمُرَّ، وَالْمِزَّ، فَيَأْكُلُ بِشَهْوَةِ طَبْعِهِ، فَأَمَّا شَهْوَةُ النَّفْسِ فَإِنَّهَا لَا تَقِفُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْءَ رُبَّمَا يَعَافُ الطَّعَامَ لِامْتِلَائِهِ، وَيَشْتَهِي مَا يَشْتَهِيهِ، وَيُهَيِّئُ الطَّعَامَ لِوَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَالَّذِي يَأْكُلُ لِلشَّهْوَةِ رُبَّمَا جَمَعَ هَذِهِ الشَّهَوَاتِ كُلَّهَا، وَالْمُؤْمِنُ لَا يَأْكُلُ لِلشَّهْوَةِ، وَلَكِنْ يَأْكُلُ لِلضَّرُورَةِ، فَهُوَ سُبْعُ مَا يَأْكُلُ الْكَافِرُ
1 / 36
حَدِيثٌ آخَرُ
حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بْنُ السَّرِيِّ بْنِ الْخَضِرِ الْحَافِظُ قَالَ: ح سَهْلُ بْنُ شَاذَوَيْهِ قَالَ: ح عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: ح أَبِي قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ رَاشِدٍ، شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﵁، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَفِيهِ حَسَدٌ، وَسُوءُ ظَنٍّ، وَطِيَرَةٌ، فَذَهَابُ حَسَدِهِ أَلَّا يَبْغِيَ أَخَاهُ غَائِلَةً، وَذَهَابُ سُوءِ ظَنِّهِ أَنْ لَا يَحْقِرَهُ بِقَوْلٍ يَقُولُهُ، وَذَهَابُ طِيَرَتِهِ أَنْ يَمْضِيَ لِحَاجَتِهِ وَلَا تَرُدَّهُ الطِّيَرَةُ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: الْمُؤْمِنُونَ مُتَفَاوِتُونَ فِي أَحْوَالِهِمْ، وَمَقَامَاتِهِمْ، وَدَرَجَاتِهِمْ، فَمِنْهُمُ الضَّعِيفُ فِي إِيمَانِهِ، وَمِنْهُمُ الْقَوِيُّ، وَمِنْهُمُ الْعَالِي، وَمِنْهُمُ الدَّانِي، وَقَوْلُهُ ﷺ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَفِيهِ كَذَا وَكَذَا عَمَّ الْجَمِيعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الَّتِي فِيهَا هَذَا الْخَبَرُ تَحْمِلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ وَبِحَالِهِ، فَالَّذِي وَصَفَ النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَالَةُ الْمُتَوَسِّطِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، بِقَوْلِهِ: ذَهَابُ حَسَدِهِ أَلَّا يَبْغِيَ أَخَاهُ غَائِلَةً، فَحَسَدُ الَّذِي يَبْغِي صَاحِبُهُ أَخَاهُ غَائِلَةً هَذَا هُوَ الْحَسَدُ الْمَذْمُومُ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفْسِهِ، فَيُجَاهِدُهَا بِأَنْ لَا يَبْغِيَ أَخَاهُ غَائِلَةً، لِأَنَّ صِفَةَ الْحَسَدِ أَنْ يَغْتَالَ الْحَاسِدُ مَحْسُودَهُ، فَكَأَنَّ نَفْسَهُ تُطَالِبُهُ بِأَنْ يَبْغِيَ أَخَاهُ غَائِلَةً، فَهُوَ مُجَاهِدُهَا، وَكَذَلِكَ إِذْ سَاءَ ظَنُّهُ بِأَخِيهِ، فَإِنَّ نَفْسَهُ تُطَالِبُهُ بِأَنْ يَبْغِيَ أَخَاهُ غَائِلَةً، فَهُوَ مُجَاهِدُهَا، وَالطِّيَرَةُ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا عَنِ الْمُضِيِّ فِي حَاجَاتِهِ، فَهُوَ يُجَاهِدُ
حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بْنُ السَّرِيِّ بْنِ الْخَضِرِ الْحَافِظُ قَالَ: ح سَهْلُ بْنُ شَاذَوَيْهِ قَالَ: ح عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: ح أَبِي قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ رَاشِدٍ، شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﵁، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَفِيهِ حَسَدٌ، وَسُوءُ ظَنٍّ، وَطِيَرَةٌ، فَذَهَابُ حَسَدِهِ أَلَّا يَبْغِيَ أَخَاهُ غَائِلَةً، وَذَهَابُ سُوءِ ظَنِّهِ أَنْ لَا يَحْقِرَهُ بِقَوْلٍ يَقُولُهُ، وَذَهَابُ طِيَرَتِهِ أَنْ يَمْضِيَ لِحَاجَتِهِ وَلَا تَرُدَّهُ الطِّيَرَةُ» قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ ﵀: الْمُؤْمِنُونَ مُتَفَاوِتُونَ فِي أَحْوَالِهِمْ، وَمَقَامَاتِهِمْ، وَدَرَجَاتِهِمْ، فَمِنْهُمُ الضَّعِيفُ فِي إِيمَانِهِ، وَمِنْهُمُ الْقَوِيُّ، وَمِنْهُمُ الْعَالِي، وَمِنْهُمُ الدَّانِي، وَقَوْلُهُ ﷺ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَفِيهِ كَذَا وَكَذَا عَمَّ الْجَمِيعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الَّتِي فِيهَا هَذَا الْخَبَرُ تَحْمِلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ وَبِحَالِهِ، فَالَّذِي وَصَفَ النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَالَةُ الْمُتَوَسِّطِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، بِقَوْلِهِ: ذَهَابُ حَسَدِهِ أَلَّا يَبْغِيَ أَخَاهُ غَائِلَةً، فَحَسَدُ الَّذِي يَبْغِي صَاحِبُهُ أَخَاهُ غَائِلَةً هَذَا هُوَ الْحَسَدُ الْمَذْمُومُ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفْسِهِ، فَيُجَاهِدُهَا بِأَنْ لَا يَبْغِيَ أَخَاهُ غَائِلَةً، لِأَنَّ صِفَةَ الْحَسَدِ أَنْ يَغْتَالَ الْحَاسِدُ مَحْسُودَهُ، فَكَأَنَّ نَفْسَهُ تُطَالِبُهُ بِأَنْ يَبْغِيَ أَخَاهُ غَائِلَةً، فَهُوَ مُجَاهِدُهَا، وَكَذَلِكَ إِذْ سَاءَ ظَنُّهُ بِأَخِيهِ، فَإِنَّ نَفْسَهُ تُطَالِبُهُ بِأَنْ يَبْغِيَ أَخَاهُ غَائِلَةً، فَهُوَ مُجَاهِدُهَا، وَالطِّيَرَةُ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا عَنِ الْمُضِيِّ فِي حَاجَاتِهِ، فَهُوَ يُجَاهِدُ
1 / 38
نَفْسَهُ، وَلَا تُثْنِيهِ الطِّيَرَةُ عَنْ وَجْهِهِ بَلْ يَمْضِي فِيهِ. هَذِهِ صِفَةُ أَوْسَاطِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَمَّا مَنْ عَلَتْ رُتْبَتُهُ، وَارْتَفَعَتْ مَنْزِلَتُهُ، وَجَلَّتْ صِفَتُهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مَذْمُومَةً، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَسْبَابِ الدِّينِ لِلَّهِ تَعَالَى، لَا فِي أَسْبَابِ الدُّنْيَا، وَلَا لِنَفْسِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَسَدُهُ فِي فَضِيلَةٍ يَرَاهَا فِي أَخِيهِ وَخَلَّةٍ مِنْ خِلَالِ الْخَيْرِ يَجِدُهَا فِيهِ فَيَتَمَنَّاهَا لِنَفْسِهِ كَمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَا
ح نَصْرُ بْنُ فَتْحٍ قَالَ: ح أَبُو عِيسَى قَالَ: ح ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: ح سُفْيَانُ قَالَ: ح الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ " فَيُسَمَّى هَذَا حَسَدًا، فَهَذَا حَسَدُ مَنْ عَلَتْ رُتْبَتُهُ فِي الدِّينِ عَنْ دَرَجَةِ أُولَئِكَ، وَسُوءُ ظَنِّهِ يَكُونُ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ لِسُوءِ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ يَخَافُ عَلَيْهَا مَعَ حُسْنِ عَمَلِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠]، أَيْ يَفْعَلُونَ مِنَ الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ وَالْبِرِّ، وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ لِسُوءِ ظُنُونِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ قَصَّرُوا فِي الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ، كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فِيمَا
ح خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ح أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، وَأَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ قَالَا: ح ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: ح سُفْيَانُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ الْهَمْذَانِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، ﵂، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] هُمُ الَّذِينَ ⦗٤٠⦘ يَشْرَبُونَ الْخُمُورَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ» وَأَمَّا الطِّيَرَةُ: فَإِنَّهَا تَكُونُ لَهُمْ فِي أَسْبَابِ الدُّنْيَا إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ تَطَيَّرُوا أَنَّهَا لَهُمْ فِتْنَةٌ، وَسَبَبُ الِاشْتِغَالِ عَنِ اللَّهِ ﷿، وَيَرَوْنَ أَنَّهَا سَبَبُ الْمَقْتِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ [الأنعام: ٤٤]، وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: إِذَا رَأَيْتَ الْغِنَاءَ مُقْبِلًا فَقُلْ: ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ، فَهَذِهِ طِيَرَةُ هَؤُلَاءِ، وَسُوءُ ظَنِّهِمْ، وَحَسَدُهُمْ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ، وَانْتَخَبَهُمْ لِوِلَايَتِهِ، وَجَعَلَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ، كُلُّ خِصَالِهِمْ مَحْمُودَةٌ، وَجَمِيعُ حَرَكَاتِهِمْ عَلَى مَا يَجِبُ، وَعَامَّةُ صِفَاتِهِمْ صِفَاتُ الْمَدْحِ، وَإِنْ كَانَتْ غَلَبَةُ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّينَ لَا تَكُونُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ
ح نَصْرُ بْنُ فَتْحٍ قَالَ: ح أَبُو عِيسَى قَالَ: ح ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: ح سُفْيَانُ قَالَ: ح الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ " فَيُسَمَّى هَذَا حَسَدًا، فَهَذَا حَسَدُ مَنْ عَلَتْ رُتْبَتُهُ فِي الدِّينِ عَنْ دَرَجَةِ أُولَئِكَ، وَسُوءُ ظَنِّهِ يَكُونُ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ لِسُوءِ ظَنِّهِ بِنَفْسِهِ يَخَافُ عَلَيْهَا مَعَ حُسْنِ عَمَلِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠]، أَيْ يَفْعَلُونَ مِنَ الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ وَالْبِرِّ، وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ لِسُوءِ ظُنُونِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ قَصَّرُوا فِي الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ، كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فِيمَا
ح خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: ح أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، وَأَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ قَالَا: ح ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ: ح سُفْيَانُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ الْهَمْذَانِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، ﵂، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] هُمُ الَّذِينَ ⦗٤٠⦘ يَشْرَبُونَ الْخُمُورَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ» وَأَمَّا الطِّيَرَةُ: فَإِنَّهَا تَكُونُ لَهُمْ فِي أَسْبَابِ الدُّنْيَا إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ تَطَيَّرُوا أَنَّهَا لَهُمْ فِتْنَةٌ، وَسَبَبُ الِاشْتِغَالِ عَنِ اللَّهِ ﷿، وَيَرَوْنَ أَنَّهَا سَبَبُ الْمَقْتِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾ [الأنعام: ٤٤]، وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: إِذَا رَأَيْتَ الْغِنَاءَ مُقْبِلًا فَقُلْ: ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ، فَهَذِهِ طِيَرَةُ هَؤُلَاءِ، وَسُوءُ ظَنِّهِمْ، وَحَسَدُهُمْ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ، وَانْتَخَبَهُمْ لِوِلَايَتِهِ، وَجَعَلَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ، كُلُّ خِصَالِهِمْ مَحْمُودَةٌ، وَجَمِيعُ حَرَكَاتِهِمْ عَلَى مَا يَجِبُ، وَعَامَّةُ صِفَاتِهِمْ صِفَاتُ الْمَدْحِ، وَإِنْ كَانَتْ غَلَبَةُ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّينَ لَا تَكُونُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ
1 / 39