أحدها: أن يفعل بيانا لغيره فحكمه مأخوذ من المبين فإن كان المبين واجبا كان البيان واجبا وإن كان ندبا كان البيان ندبًا، ويعرف بأنه بيان لذلك بأن يصرح بأن ذلك بيان لذلك، أو يعلم في القرآن آية مجملة تفتقر إلى البيان ولم يظهر بيانها بالقول فيعلم أن هذا الفعل بيان لها.
والثاني: أن يفعل امتثالا لأمر فيعتبر أيضا بالأمر فإن كان على الوجوب علمنا أنه فعل واجبا وإن كان على الندب علمنا أنه فعل ندبا.
والثالث: أن يفعل ابتداء من غير سبب فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه على الوجوب إلا أن يدل الدليل على غيره وهو قول أبي العباس وأبي سعيد وهو مذهب مالك وأكثر أهل العراق.
والثاني: أنه على الندب إلا أن يدل الدليل على الوجوب.
والثالث: أنه على الوقف فلا يحمل على الوجوب ولا على الندب إلا بدليل وهو قول أبي بكر الصيرفي وهو الأصح، والدليل عليه أن احتمال الفعل للوجوب كاحتماله للندب فوجب التوقف فيه حتى يدل الدليل.
فصل
إذا فعل رسول الله ﷺ شيئا وعرف أنه فعله على وجه الوجوب أو على وجه الندب كان ذلك شرعا لنا إلا أن يدل الدليل على تخصيصه بذلك، وقال أبو بكر الدقاق: لا يكون ذلك شرعا لنا إلا بدليل، والدليل على فساد ذلك قوله ﷿: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ ١ ولأن الصحابة كانوا يرجعون فيما أشكل عليهم إلى أفعاله فيقتدون به فيها فدل على انه شرع في حق الجميع.
_________
١ سورة الأحزاب الآية: ٢١.
1 / 68