ولكن ماشا أصر على الرفض قائلا: إن المكنة السوفيتية لا تصلح لها إلا قطع غيار سوفيتية.
قال هذا وهو يشد على كلمة سوفيتية الأولى والثانية.
وانقضى يوم، وكاد يوم آخر ينقضي، والتوتر لا يزال قائما على أشده، والعمل معطل تماما، والعمال جالسون القرفصاء، ورءوسهم بين ركبهم يسلون بعضهم البعض ويضحكون، وكلما خرج ماشا من حجرته أو دخل لا بد يلمح هذا العدد الضخم من العمال، والظاهر أن شيئا قد تغير في تفكيره. إذ فوجئ الجميع به يخرج إليهم قائلا: لأجل خاطرهم فقط، ولأجل أن يثبت لهم أنه على حق، وأنهم على خطأ سيجرب أمام أعينهم قطعة الغيار الأمريكية.
وهاص المعسكر فجأة.
وكان لا بد لاختبار قطعة الغيار الجديدة من عقد «كونسنتو» هندسي من ماشا وبيل والمهندس المصري المختص. مؤتمر ظل ماشا في أوله ينظر شزرا وباحتقار شديد إلى بيل، وبيل يقابل نظراته بعينين كأنهما فوهتا مسدسين من مسدسات رعاة البقر في أفلام السينما. ولكن الحقيقة أن تلك النظرات لم تستمر كثيرا، فسرعان ما أدرك ماشا أن بيل يفهم حقيقة الميكانيكا، وأن الناس في الولايات المتحدة ليسوا جهلة كما كان يظن، واكتشف بيل هو الآخر أن ماشا الروسي ليس مجرد أسطوانة مسجل عليها أقوال ماركس ولينين، وإنما هو آدمي أيضا، يغضب أحيانا ويثور، وأحيانا يرضى ويبتسم، ابتسامة صافية جدا كابتسامات الأطفال.
وكان عمل المهندس المصري أول الأمر أن يمنع الاحتكاك المباشر، ويلطف الكلمات الحادة، ويقول لبيل: طب امسحها في دقني أنا، ويقول لماشا: معلشي عشان خاطري، إلى أن بلغ مراده وبدأ الجو يهدأ، وبدأ الاثنان يتناقشان المناقشة الهندسية الخالصة.
وثبت من المناقشة ومن الاحتكام للمقاسات، ومن التجربة العملية، أن قطعة الغيار الأمريكية تصلح لتحل محل القطعة الروسية.
وتهلل وجه المهندس المصري طربا للنتيجة، النتيجة التي كان مفروضا أن يسر لها ماشا وبيل، ولا أحد يدري إن كان أيهما قد تولاه السرور، إنما الذي لا شك فيه أن أحدا لم يكن ليستطيع أن يمنع الصدام الذي نشب حالا.
فما دامت قطعة الغيار قد أثبتت صلاحيتها؛ فلا بد إذن من تركيبها وتسيير المكنة بها ، من يركبها ؟ ذلك هو الصدام المروع الذي نشأ.
ماشا يقول: إن المكنة روسية وأي تغيير فيها أو تبديل يجب أن يتم بمعرفته هو. وبيل يقول: هذه المكنة كانت روسية وهي الآن وبغير قطعة الغيار الأمريكية مجرد كتلة من الحديد الخردة، ولا بد له هو أن يتولى عملية التركيب والتشغيل.
Halaman tidak diketahui