وفي الزمن الماضي ما وقع التشاجر بين بني هاشم ومخزوم وأمية وعبد شمس، بل سلموا الفضائل بأسرها لبني هاشم، فلا فضيلة للعرب إلا وهي موجودة في بني هاشم. ولبني هاشم فضيلة المصطفى، وليس لأحد مثل هذه الفضيلة ولهذا قال الشاعر لبني مخزوم وهو يخاطب واحدًا منهم:
ولد المغيرة تسعة ... كانوا صناديد العشيرة
وأبوك عاشرهم كما ... نبتت مع النخل الشعيرة
إن النبوة والخلا ... فة والسقاية والمشورة
في غيركم فاكفف إلي ... ك يدًا مجذمة صغيرة
وقال الفضل بن عباس: في مكة نحن كإسكانها من قريش، وبنا سميت قريش قريشًا. وقال الشاعر لبني هاشم:
أبوكم قصي كان يدعي مجمعًا ... جمع الله القبائل من فهر
وأنتم بنو زيد وزيد أبوكم ... به زيدت البطحاء فخرًا على فخر
واسم قصي زيد وقصي لقبه، وسمي قصيًا لأنه أقصى قومًا وأدنى آخرين. واسم زيد في آل علي بن أبي طالب ﵁ كثير، لأنه اسم جدهم قصي، قصي هو الذي أدخل الحرم كنانة، وأخرج من الحرم خزاعة، ودفع شابور الملك عن مكة، وقيل لهاشم القمر. قال الشاعر.
إلى القمر البادي المقيم دعوته ... ومطعمهم في الأذل والضيق والجدب
ومن الذي أطعم قريشًا من ماله في الجدب حتى عاشوا سوى هاشم، حتى قال فيه الشاعر:
عمرو العلى هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
وعبد المطلب هو مطعم الناس والوحوش، إذا هبت الشمال نحر جزورًا وأطعم الناس والوحوش. وهو أكمل العرب جمالًا، وأطهرهم بيانًا، وهو الذي رآه أبرهة الملك صاحب الفيل، فنزل من سريره وجعل معه على البساط احترامًا له، واسمه شيبة الحمد. قال مطرود الخزاعي وهو من المعمرين:
يا شيبة الحمد الذي تثنى له ... أيامه من خير ذخر الذاخر
المجد ما حجت قريش بيته ... ودعا هزيل فوق غصن ناضر
والله لا أنساكم وفعالكم ... حتى أغيب في تراب القابر
وقال حذافة بن غانم العدوي:
بني شيبة الحمد الكريم فعاله ... يضيء ظلام الليل كالقمر البدر
وقال العبدي:
لا ترى في الناس حيًا مثلنا ... ما خلا أولاد عبد المطلب
وكل واحد من الشعراء أسلم المجد لبني هاشم ولبني عبد المطلب، حتى قال بعض الشعراء:
إنما عبد مناف جوهر ... زين الجوهر عبد المطلب
وبعد فمن يناضل ويفاخر رجالًا ولدوا محمدًا المصطفى صلى الله عليه وآله مع ما ذكر، من أن الله تعالى أعطى عبد المطلب من تفجر العيون تحت كلكل بعيره، وأعطاه عند المساهمة وعند المقارعة من الأمور العجيبة، ورد بسببه أصحاب الفيل عن مكة. وأنزل الله تعالى في هذه القصة " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " وكان ذلك في عهد عبد المطلب.
وكانت قصة الفيل عند قريش كالعيان، وكان العهد قريبًا، حتى قالت عائشة: رأيت سائق أصحاب الفيل أعمى يطوف في سكك مكة ويستطعم.
وقد أصاب أهل مكة جدب، فاستسقى عبد المطلب وقام على الصفا وقال: اللهم أنت عالم غير معلم، هؤلاء عبادك يشكون إليك سنة أكلة الجيف والنطف، فأمطر اللهم علينا غيثًا مغيثًا مغدقًا، فما قعد حتى تفجرت السماء بمائها. وقال الشاعر:
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... وقد فقدنا الحيا وأجود المطر
فجاد بالماء جون له سبل دان ... فعاشت به الأنعام والشجر
منًا من الله بالميمون طائره ... وخير من شرف يومًا به مضر
مبارك الأمر يستسقى الغمام به ... ما في الأنام له عدل ولا خطر
وبنو هاشم كانوا أعقل العرب، وأدهى البرية، وأفصح الناس لسانًان لكثرة ما يرد عليهم من اختلاف الأخلاق والألسنة، وليس لقبائل العرب في حلف الفضول نصيب، وهو أشرف حلف، وأكرم عقد كان في قريش إلا لبني هاشم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت.
وذلك الحلف كان اتفاقًا منهم على نصرة المظلوم وقهر الظالم حتى قال قائلهم:
حلفت لنقعدن حلفًا عليهم ... وإن كنا جميعًا أهل دار
1 / 15