والحمد لله الذي هو باعث ... من في القبور لوقته المعلوم
فنزل جبرئيل ﵇ وقال: يقول لك الله: يا إسماعيل قد جعلت النبوة والخلافة في ولدك إلى يوم القيامة. وكان جعفر الصادق ﵁ يقول: هذه أفضل فضيلة العرب لولد إسماعيل على ولد إسحاق، وحسب العرب بها فضيلة.
وقال أكثم بن صيفي حكيم العرب: دخلت البطحاء، فرأيت بني هاشم حول عبد المطلب كأنهم بدور ونجوم، فقلت لقومي: يا بني تميم إذا أراد الله أن ينشأ رفعة ودولة أنبت بها مثل هؤلاء، هذا غرس الله لا غرس الناس.
هرب الناس إلى قصي بن كلاب فرآه شابور وسأله عن حاله، فقال: أنا شيخ عاجز عن الهرب، ثم قال قصي لشابور الملك: ما هذا الذي تفعل بالعرب؟ فقال شابور: لما روي عن علمائنا أنه يكون في العرب نبي يكون بيده هلاك عقبي من بعدي، فأردت أن استأصل العرب.
فقال قصي: بئس ما رأيت من الرأي، أيها الملك إن كان ما سمعت حقًا، فإنه لا يمكنك أن ترده، لأنه ليس لملك الأرض أن يرد قضاء ملك السماء والأرض. وبئسما أورثت عقبك من بعدك، فإن هذا النبي إذا خرج وسمع ما فعلت بآبائه كافى وفعل بأبنائك ما فعلت بآبائه، وإن كان ما سمعت عن أمر هذا النبي غير حق فقد أفنيت العرب لا شيء.
فلما سمع شابور هذا الكلام سكت ساعة، ثم قال: لقد صدقت، لا ينبغي لملوك الأرض رد قضاء ملك السماء والأرض، ثم خلع على قصي وعطره بالمسك والعنبر وطوقه. وقيل: كان الطوق من ذهب. وسوره بأساور من ذهب، وتوجه بتاج من تيجان الملوك، ووضع له سريرًا بجنب دار الندوة وهي دار قصي، وقال لقصي: أنت سيد العرب، وقد وهبت لك العرب كلهم بعد اليوم، ورجع عن مكة.
فقال الناس: العرب كلهم موالي قصي بن كلاب وطلقائه. وكان قصي جد رسول الله ﵌.
وفي هذا المعنى كلام طويل، يحتاج إلى تسويد أوراق كثيرة، ولو اشتغلت ببيانه وتفصيله لخرج الكتاب عن حد الإيجاز وأدى إلى الملال. ولما كان المقصود من هذا الكتاب تفصيل الأنساب، قنعت بطرف من فضائل أصول هذا النسب، ليدل فضائل الأصول على فضائل الفروع، والله تعالى ولي التوفيق، ومنه العون وبه التوفيق.
فصل
الأنساب والألقاب وأسبابها
من أولاد رسول الله ﵌ على ترتيب الحروف، ومن الألقاب ما ليس له سبب مشهور ولا علة معروفة، فلذلك خليت بيت كل لقب ليس له سبب مشهور، وربما كان له سبب لم يصل إلي، وفوق كل ذي علم عليم، والتوفيق من الله الذي هو رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله أجمعين.
فصل
تفضيل بني هاشم
على سائر القريش
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله خلق سبع سماوات، فاختار العليا فأسكنها خلقه، ثم اختار خلقه فاختار بني آدم، ثم اختار من بني آدم العرب، ثم اختار من العرب بني نضر قريشًا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم، فلم أزل خيارًا في خيار.
وقال أيضًا صلى الله عليه وآله: إن الله اصطفى من ولد بني آدم إبراهيم واتخذه خليلًا، ثم اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، ثم اصطفى من ولد إسماعيل نزار، ثم اصطفى من ولد نزار بني نضر، واصطفى من بني نضر بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفى من بني هاشم بني عبد المطلب، واصطفى محمدًا من بني عبد المطلب. وقال ﵇: ثم اجتذبني أب أفضل من بني هاشم.
وقال العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله: إني قلت للنبي ﵇: إن قريشًا جلسوا فتذاكروا أحسابهم، فجعلوا مثلك مثل نخلة في روضة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تعالى يوم خلق الخلق خلقني خيرهم، ثم خير فرقهم فجعلني خير الفريقين، ثم جعلها قبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم جعلها بيوتًا فجعلني في خير بيوتهم، وأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما مسني عرق سفاح قط، وما زلت أنقل في الأصلاب السليمة من الرحوم والأرحام البرية من العيوب.
وهذا الحديث يدل على شرف بني هاشم، وطيب أصلهم وفضيلتهم في النفساء والتهذيب والتصفية والتنقيح.
1 / 14