الْفَصْل السَّابِع وَالْعشْرُونَ فِيمَا يكون إسلاما من الْكَافِر ومالا يكون وَمَا يكون كفرا من الْمُسلم ومالا يكون الْفَصْل الثَّامِن وَالْعشْرُونَ فِي الْوَصَايَا الْفَصْل التَّاسِع وَالْعشْرُونَ فِي الْفَرَائِض الْفَصْل الثَّلَاثُونَ فِي مسَائِل شَتَّى وَهُوَ الختام
وَقد شرعت فِيهِ مستعينا بالحي الَّذِي لَا ينَام وَهُوَ الْمُوفق بمنه وَكَرمه للإتمام
الْفَصْل الأول فِي آدَاب الْقَضَاء وَمَا يتَعَلَّق بِهِ
أَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق الْقَضَاء فِي اللُّغَة عبارَة عَن اللُّزُوم وَلِهَذَا سمي القَاضِي لِأَنَّهُ يلْزم النَّاس وَفِي الشَّرْع يُرَاد بِالْقضَاءِ فصل الْخُصُومَات وَقطع المنازعات وَيجوز تَقْلِيد الْقَضَاء من السُّلْطَان الْعَادِل والجائر أما الْعَادِل فَلِأَن النَّبِي ﷺ بعث معَاذًا إِلَى الْيمن قَاضِيا وَولى عُثْمَان بن اسيد على مَكَّة أَمِيرا وَأما الجائر فَلِأَن الصَّحَابَة ﵃ تقلدوا الْأَعْمَال من مُعَاوِيَة بعد أَن أظهر الْخلاف مَعَ عَليّ ﵁ وَكَانَ الْحق مَعَ عَليّ وَإِنَّمَا يجوز التَّقْلِيد من السُّلْطَان الجائر إِذا كَانَ يُمكنهُ من الْقَضَاء بِحَق وَأما إِذا كَانَ لَا يُمكنهُ فَلَا وَإِنَّمَا يتقلد الْقَضَاء من يكون عدلا فِي نَفسه عَالما بِالْكتاب وَالسّنة وَالِاجْتِهَاد وَشَرطه أَن يكون عَالما من الْكتاب وَالسّنة مَا يتَعَلَّق بِهِ الْأَحْكَام لَا المواعظ وَقيل إِنَّه إِذا كَانَ صَوَابه أَكثر من خطئه حل لَهُ الِاجْتِهَاد وَكَون القَاضِي مُجْتَهدا لَيْسَ بِشَرْط وَيَقْضِي بِمَا سَمعه أَو بفتوى غَيره وَأجْمع الْفُقَهَاء أَن الْمُفْتِي يجب أَن يكون من أهل الِاجْتِهَاد وَقَالَ الإِمَام أَبُو حنيفَة ﵀ لَا يحل لأحد أَن يُفْتِي بقولنَا حَتَّى يعلم من أَيْن قُلْنَا وَفِي الْمُلْتَقط إِذا كَانَ صَوَابه أَكثر من خطئه حل لَهُ الْإِفْتَاء وَإِن لم يكن مُجْتَهدا لَا يحل لَهُ الْفَتْوَى إِلَّا بطرِيق الْحِكَايَة فيحكي مَا يحفظه من أَقْوَال الْفُقَهَاء والمفتي بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أفتى بقول الإِمَام ﵀ أَو بقول صَاحِبيهِ رحمهمَا الله تَعَالَى وَعَن ابْن الْمُبَارك رَحمَه الله تَعَالَى يَأْخُذ بقول الإِمَام لَا غير وَإِن كَانَ مَعَه أحد صَاحِبيهِ أَخذ بقولهمَا لَا محَالة كَذَا ذكره الْبَزَّاز فِي جَامعه
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الدُّخُول فِي الْقَضَاء مِنْهُم من قَالَ يجوز الدُّخُول فِيهِ مُخْتَارًا وَمِنْهُم من قَالَ لَا يجوز الدُّخُول فِيهِ إِلَّا مكْرها أَلا ترى أَن الإِمَام الْأَعْظَم رَحمَه الله تَعَالَى دعى إِلَى الْقَضَاء ثَلَاث مَرَّات فَأبى حَتَّى أَنه ضرب فِي كل مرّة ثَلَاثِينَ سَوْطًا وَمُحَمّد رَحمَه الله تَعَالَى امْتنع فقيد وَحبس فاضطر فتقلد
وَقَالَ ﷺ من جعل على الْقَضَاء فَكَأَنَّمَا ذبح بِغَيْر سكين إِنَّمَا شبه بِهَذَا لِأَن السكين تعْمل فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن أما الْقَتْل بِغَيْر سكين فَهُوَ الْقَتْل بطرِيق الخنق وَالْغَم وَأَنه يُؤثر فِي الْبَاطِن دون الظَّاهِر وَالْقَضَاء كَذَلِك لَا يُؤثر فِي الظَّاهِر لِأَن ظَاهره جاه وحشمة لَكِن يُؤثر فِي الْبَاطِن فَإِنَّهُ سَبَب الْهَلَاك فَشبه بِهِ لهَذَا كَذَا فِي الملحقات
وَقَالَ ﵊ من طلب الْولَايَة وكل إِلَيْهَا وَمن لم يطْلبهَا فَإِن الله تَعَالَى يُرْسل إِلَيْهِ ملكَيْنِ فيسد دانه وَقَالَ ﵇ الْقَضَاء ثَلَاثَة قاضيان فِي النَّار وقاض فِي الْجنَّة الحَدِيث وَمعنى ذَلِك كُله التحذير عَن طلب الْقَضَاء وَالدُّخُول فِيهِ إِلَّا أَنه قد دخل فِي الْقَضَاء قوم صَالِحُونَ واجتنبه قوم صَالِحُونَ هَذَا كُله إِذا كَانَ فِي الْبَلدة قوم يصلحون للْقَضَاء أما إِذا لم يكن من يصلح للْقَضَاء فَإِنَّهُ يدْخل وَإِذا كَانَ فِي الْبَلدة قوم يصلحون فَإِذا امْتنع وَاحِد مِنْهُم لَا يَأْثَم وَإِذا لم يكن وَامْتنع يَأْثَم وَلَو كَانَ فِي الْبَلدة
1 / 218