251

Duroos li al-Shaykh Abdul Rahman Al-Mahmoud

دروس للشيخ عبد الرحمن المحمود

Genre-genre

القدر سر الله
الأمر الثاني: أن هناك مجالًا في باب القضاء والقدر لا مدخل للإنسان فيه أبدًا، وهو الذي سماه بعض العلماء: سر القدر، قال الطحاوي رحمه الله تعالى: والقدر سر الله لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، هذه القضية يجب أن نعرفها وأن نؤمن بها؛ لكن لا يجوز أن نضعها في غير محلها كما يفهم البعض، مدار قضية أن القدر سر الله، وأن في القدر ما لا يمكن للإنسان أن يبحث فيه: هو التقدير الأزلي من الله ﷾، وهو أن الله ﵎ هو الذي اختار أن يوجد الناس في هذه الحياة على الابتلاء: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود:٧] ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء:٣٥].
لأن السائل قد يسأل هنا ويقول: لماذا لم يجعلهم الله مهتدين؟ والله تعالى أجاب عن ذلك في كتابه العزيز فقال لمحمد ﷺ: ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأنعام:٣٥]، لو أراد الله ﷾ لجعل الناس كلهم مؤمنين مثل الملائكة: ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم:٦]، ولكن الله -وهو الذي له المشيئة المطلقة- أراد ذلك لحكمٍ كثيرة، أراد الله أن يوجد البشر على هذه الأرض، وأن يكونوا مكلفين، وأن يكون منهم أهل استقامة واتباع؛ ليكونوا يوم القيامة من أهل الجنة، وطائفة أخرى أهل انحراف وكفر؛ ليكونوا يوم القيامة من أهل السعير.
فمن قال: لماذا لم يجعل الله الناس كلهم مهتدين؟ مثل من جاء ليقول: لماذا لم يجعل الله الأرض على هذا الشكل؟ هذا سؤال لا نسأله نحن، وسيأتي إن شاء الله ما يبين أن الإيمان بهذه القضية من المواطن المهمة جدًا لسلامة قلب الإنسان واستقراريته، وبقيت قضايا أخرى تتعلق بمشيئة الإنسان، وهل له حجة على الله؟ وهذه مسائل واضحة تمام الوضوح كما سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى.
إذًا: على الإنسان ألا يعترض على أصل المشيئة الإلهية، بمعنى: لا يأتي قائل يقول: لماذا أغنى الله هذا وأفقر هذا؟ لماذا هذا يعيش إلى مائة سنة وذاك يعيش عشر سنوات فقط أو عشرين أو ثلاثين؟ لماذا الله ﵎ أضل وهدى، وجعل الناس صنفين؟ هذه من الأسئلة التي هي موطن سر القدر، والقدر متعلق بمشيئة الله ﵎ النافذة.

11 / 10