5
طوى سره في صدره .. حتى رسمية زوجته لم تعلم به .. وهو سر يثقل على الصدر والقلب، ولكن ما الحيلة؟ .. إذا فشا يوما أضر بمركزه وأفقده وظيفته .. وأرق الليل متفكرا في العواقب مصمما على الحذر .. سنجام مؤمن فيما بدا، وسيحفظ له جميل تحريره ولو صدفة .. نام عقب صلاة الفجر ساعة، ثم استيقظ على حال أفضل .. كان بطبيعته قويا يتحدى الصعاب والوساوس .. لقد استأنس السلولي والهمذاني، وليس سنجام بأشد مراسا منهما .. وقالت له رسمية وهما يشربان لبن الصباح: أمس زارتني جارتنا القديمة أم السعد.
توترت أعصابه فجأة .. قدر خطورة الزيارة تقدير شرطي عالم ببواطن الأمور، وقال بجفاء: أرملة مسكينة، ولكن ...
وتردد لحظة، ثم واصل حديثه: ولكن زيارتها لنا تضر بمركزي. - حالها تقطع القلب. - هكذا حال الدنيا يا رسمية، ولكن لندع ما لله لله! - جاءت بأمل أن تعينها على تقديم التماس للحاكم برد أملاك الأسرة.
فهتف: يا لها من جاهلة! - قالت إن الله لا يأخذ الأبناء بذنوب الآباء. - شهريار نفسه هو الذي أصدر الحكم!
ثم قال بوضوح: صنعان كان صديقي ولكن ما قدر كان، ولعل قتل البنت بعد اغتصابها لا يعد شيئا بالقياس إلى قتل حاكم الحي؛ فالسلطان يعتبر الضربة الموجهة إلى نائبه موجهة إلى شخصه، وما زال السلطان سفاكا رغم تغيره الطارئ، فلا تشجعيها على التردد عليك وإلا حلت بنا لعنة لا قبل لنا بها.
فوجمت المرأة منكسرة الفؤاد، فقال: إني في الحزن مثلك، ولكن لا حيلة لنا.
6
إنه صادق فيما قال .. حزنه على آل صنعان لم ينقشع، ومرجع ذلك ليس العشق وحده .. أحب الرجل من قبل أن يحب كريمته .. وهو لا يخلو دائما من عواطف طيبة، ومن ذكريات دينية، ولكنه لا يجد بأسا من ممارسة الانحراف في عالم منحرف .. الحق أنه لا يوجد قلب في الحي كقلبه في جمعه بين الأسود والأبيض .. لذلك دعا فاضل صنعان إلى داره في زيارة أحاطها بالكتمان .. جاء الفتى في زيه الجديد المكون من الجلباب والصندل، زي البياع الجوال .. أجلسه إلى جانبه في المنظرة، وقال: يسرني يا فاضل أنك تواجه مصيرك بشجاعة فائقة.
فقال فاضل: أحمد الله الذي أبقى علي ديني بعد ضياع الجاه والمال.
Halaman tidak diketahui