فقال المجنون بأسى: أشفقت أن يصبح الصباح فلا تجد الرعية سلطانا ولا وزيرا ولا حاكما ولا كاتم سر ولا رجل الأمن فيأخذها أقوى الأشرار. - وهل أجدت حكمتك؟ - أراهم يعملون وقد ملأ الحياء قلوبهم وقد خبروا ضعف الإنسان.
فهمس عبد الله البحري: في مملكتنا المائية نجعل الحياء شرطا ضمن شروط عشرة يجب أن تتوافر في حكامنا.
فقال المجنون متنهدا: ويل للناس من حاكم لا حياء له.
2
تأخر الوقت برجب الحمال خارج البوابة .. ولدى عودته في الظلام رأى أشباحا تفتح مدفنا وتدخله .. وعجب لما يدعوهم لذلك قبيل الفجر، فأغراه قلبه باقتحام لغز غير يسير .. وما لبث أن تسلق السور فانبطح على بطنه وراح ينظر نحو الفناء على ضوء شمعة خافت أمسك بها شبح .. رأى نفرا من العبيد تفتح قبرا منعزلا كأنما أعد للخدم، ثم رآهم يحملون صندوقا فيودعونه القبر ويهيلون عليه التراب .. انتظر حتى فارقوا المكان .. فكر أيضا في الذهاب ولكن الصندوق ألح عليه .. ماذا يحوي؟ ولماذا دفنوه في هذه الساعة المتأخرة؟ .. ولم تعفه نفسه من المتاعب فوثب إلى الفناء .. وبهمة وإصرار فتح القبر واستخرج الصندوق .. ولولا قوته وتمرسه بحمل الأحمال ما استطاع أن يفعل .. وعالج الصندوق حتى فتحه وأشعل شمعة يحتفظ بها في رحلاته، وألقى نظرة فارتعد إشفاقا ورعبا .. ثمة جارية كالبدر في تمامه مكشوفة الوجه، في ثوب لا كفن، ميتة ولا شك ولكنها تبدو كنائمة .. أدرك أن ملابسات الدفن تومئ إلى جريمة ما .. كما أدرك أنه ورط نفسه في مأزق ما كان أغناه عنه .. وفي الحال توثب للفرار دون أن يفكر في إعادة الصندوق إلى قبره أو إغلاقه.
3
وعندما وثب إلى الخلاء وجد أمامه شبحا فتقلص قلبه، ولكنه سمع صوت المعلم سحلول تاجر المزادات يتساءل: من هنا؟
فأجاب مخفيا ارتباكه ما استطاع: رجب الحمال يا معلم سحلول.
فسأله ضاحكا: ماذا كنت تفعل في الداخل؟
فأجابه على البداهة: ربنا أمر بالستر يا معلم.
Halaman tidak diketahui