5
كانت مبادرة يوسف الطاهر بمثابة فتح الباب لأمواج الجنون الهادرة الصاخبة التي تدفقت لتغمر الحي كالطوفان وتصيبه في أغنى أبنائه، أما الفقراء فكانت لهم الحسرة .. باتت الدار الحمراء بسوق السلاح قبلة لحسام الفقي وحسن العطار وجليل البزاز وغيرهم .. حملت الهدايا في إثر الهدايا، وسلبت القلوب والجوانح، وتاهت العقول وشردت، وسيطر الإسراف والسفه، ونحيت العواقب وتلاشى الزمن فلم تبق إلا الساعة الراهنة، ومضت الدنيا تضيع في إثر الدين .. وأنيس الجليس ساحرة فاتنة، تحب الحب، تحب المال، تحب الرجال .. لا يرتوي لها طمع ولا تكف عن طلب .. الرجال يستبقون بجنون بحكم الحب والغيرة، لا يستأثر بها أحد، ولا يزهد فيها أحد، منحدرين بقوة واحدة نحو الضياع.
6
لم يعرف المعلم سحلول النشاط كما عرفه في تلك الأيام .. إنه رجل المزادات وأول من يحضر عند حلول الإفلاس .. سقط أول من سقط حسام الفقي .. لم يهمه ضياع المال بقدر ما أهمه ضياع أنيس الجليس .. لم يكربه مصير النساء والأولاد كما أكربه الحرمان .. قال للمعلم سحلول: لا يستطيع أن يدمر الإنسان مثل نفسه.
فقال الرجل بغموض: ولا يستطيع أن ينجيه مثل نفسه.
فقال الفقي ساخرا: أفلست المواعظ من قديم.
ولحق به في السقوط جليل البزاز، ثم حسن العطار، أما يوسف الطاهر فترنح على حافة الهاوية .. وقال عجر الحلاق لسحلول معلقا على نشاطه المتصاعد: مصائب قوم!
فقال سحلول دون مبالاة: هم الجناة وهم الضحايا .
فتنهد عجر قائلا بأسى: لو رأيتها يا معلم لهفت نفسك إلى الجنون. - ما هي إلا بسمة شيطان. - إني أعجب كيف لم تقع في هواها!
فقال سحلول باسما: جرت المقادير بأن يوجد عاقل واحد في كل مدينة مجنونة.
Halaman tidak diketahui