Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Penerbit
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Tahun Penerbitan
1315 هـ
عثمان ورويما الخواص، ودخل مكة، وأقام بها، وصار شيخها، والمنظور إليه فيها، وحج رضي الله عنه قريبا من ستين حجة، ومات في الحرم سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، وكان يجتمع هو والكتاني، والنهرجوري، والمرتعش، وغيرهم فيكون صدر الحلقة، وإذا تكلم في شيء رجعوا كلهم إلى كلامه، وفضائله أكثر من أن تحصى رحمه الله تعالى ومكث بمكة أربعين سنة فلم يبل قط ولم يتغوط في الحرم بل كان يخرج كلما قضى حاجته إلى الحل، وكان رضي الله عنه يقول: من تكلم على حال لم يصل إليه كان كلامه فتنة لمن يسمعه، وهوى يتولد في قلبه، وحرم الله عليه الوصول إلى تلك الحال، وبلوغه، وكان رضي الله عنه يقول: من جاور بالحرم، وقلبه متعلق بشيء سوى الله تعالى فقد أظهر خسارته، ومن سرق شيئا بالحرم من الحجاج الآفاقية ليتوسع به أبعده الله، ووكل قلبه بالشح، وأطلق لسانه بالشكوى، ونسخ قلبه من المعارف، وخرجت منه أنوار اليقين، ومقته بين خليقته.
قلت: ويقاس على ذلك من جاور ببيت الله المقدس، والحرم النبوي، والمساجد المعظمة كالجامع الأزهر بمصر، وجامع الزيتونة بالمغرب، وغيرها من المساجد والله أعلم. وكان رضي الله عنه يقول: مما جربناه لرد الضالة: اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني، وبين ضالتي، ويقرأ قبله سورة، والضحى ثلاثا قال: وقد وقع مني فص في دجلة فدعوت به فوجدت الفص في وسط أوراق كنت أتصفحها، وسئل رضي الله عنه عن حديث: " تفكر ساعة خير من عبادة سنة " فقال المراد: بذلك التفكر نسيان النفس، والله أعلم.
ومنهم جعفر بن محمد بن نصير الخواص
رضي الله تعالى عنه
ويعرف بالخلدي ببغداد المولد، والمنشأ صحب الجنيد رضي الله عنه، وعرف بصحبته، وإليه كان ينتمي، وصحب الثوري، ورويما، وميمونا، والجريري، وغيرهم من المشايخ، وكان المرجع إليه في كتب القوم، وحكاياتهم، وسيرهم حتى قال يوما عندي مائة ونيف وثلاثون ديوانا من دواوين الصوفية فقيل له: هل عندك من كتب علي بن محمد الترمذي شيء فقال: ما عددته من الصوفية.
قلت الحق أنه كان من أكابر الصوفية، وأنه كان من الأوتاد، ولو لم يكن له من المناقب إلا ما وضعه من الأسئلة التي لا يعرف الجواب عنها أحد غير ختم الأولياء لكان في ذلك كفاية لبيان مقامه فإنه لا يعرف الجواب عنها أحد غير الختم كما صرح بذلك الشيخ محيي الدين ابن العربي، وقد عده الأستاذ القشيري ممن عليه مدار الطريق.
وأما سبب جمع العارف دواوين القوم فهو للإطلاع على طرقهم في معاملتهم مع الله تعالى ليرشد المريدين، والإخوان إليها إذ الأولياء أبواب الله فمن لم يكن عنده استعداد يدخل به من طريق ذلك الولي أدخل من طريق غيره، وفي ذلك تأييد عظيم للداعي إلى الله يكون غيره سبقه إلى ما دعا إليه، ومنه فافهم، والله أعلم، وكان رضي الله عنه من أفتى المشايخ، وأحسنهم، وأكملهم حالا حج رضي الله عنه قريبا من ستين حجة، ومات ببغداد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، وقبره بالشونيزية عند قبر السري السقطي، والجنيد، وكان رضي الله عنه يقول: أهل الحقائق قطعوا العلائق التي تقطعهم عن الحق قبل أن تقطعهم العلائق، وكان يقول: لا يقدح في الإخلاص كونه يعمل ليصل، وكان يقول: المتناهي في حاله يؤثر في كل شيء، ويدخل في كل شيء ولا يؤثر فيه شيء، ولا يأخذ منه شيئا، ودليل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم في أوائل حاله كان إذا نزل عليه الوحي قال دثروني دثروني حتى تمكن صلى الله عليه وسلم، وكان رضي الله عنه يقول : سعي الأحرار في الدنيا يكون لإخوانهم لا لأنفسهم قلت، ولما حججت سنة سبع وأربعين وتسعمائة جعلت دعائي حول البيت، وفي البيت وفي مواضع الإجابة كله لأخواني لأن من الفتوة أن يؤخر الإنسان حفظ نفسه، ويقدم حظ إخوانه ليكون الحق تعالى في حاجته بالقضاء، والتيسير فالحمد لله رب العالمين.
وكان رضي الله عنه يقول: سمعت الجنيد رضي الله عنه يقول: من أخلص في المعاملة أراحه الله تعالى من الدعاوي الكاذبة، وكان يقول: جاع بعضهم في الحرم فسألي ربه في حجر إسماعيل فوقع في حجره مسمار فضة من مسامير الميزاب فقضى به حاجته، وكان رضي الله عنه يقول: لا أعرف شيئا أفضل من العلم بالله، وبأحكامه فإن الأعمال لا تزكو إلا بالعلم، ومن لا علم عنده فليس له عمل، وإنما يكره من العلم تضييعه، ونبذه خلف الظهر فقيل له فهل طلب العلم عمل فقال: هو من أكبر الأعمال، وبالعلم عرف الله، وأطيع، وبالعلم استحيا من الله المستحيون، وهو قبل الأعمال قال الله تعالى: " علم الإنسان ما لم يعلم " وقال الله تعالى: " علمه البيان "، ولا يكره العلم إلا منقوص، وكان رضي الله عنه يقول: إذا رأيت الفقير يأكل فاعلم أنه لا يخلو من إحدى ثلاث إما
Halaman 101