Lawaqih Anwar
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Penerbit
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Tahun Penerbitan
1315 هـ
استلذ بالبلاء، وكان يقول: حلية العارف الخشية، والهيبة، وكان يقول: إياكم ومحاكاة أصحاب الأحوال قبل إحكام الطريق، وتمكن الأقدام فإنها تقطع بكم عن السير، وكان يقول: دليل تخليطك صحبتك للمخلطين، ودليل بطالتك ركونك للبطالين، ودليل، وحشتك أنسك بالمستوحشين، وكان يقول: من غلب حاله عليه لا يحضر مجلسنا في السماع. حكى أن أصحابه قالوا له يوما لم لا تحدثنا بشيء من الحقائق؟ فقال لهم: كم أصحابي اليوم؟ قالوا ستمائة رجل فقال: استخلصوا منهم مائة ثم استخلصوا من المائة عشرين ثم استخلصوا من العشرين أربعة فكان الأربعة ابن القسطلاني، وأبا الطاهر، وابن الصابوني، وأبا عبد الله القرطبي.
فقال الشيخ رضي الله عنه: لو تكلمت بكلمة من الحقائق على رؤوس الأشهاد لكان أول من يفتي بقتلي هؤلاء الأربعة، وكان رضي الله عنه متتابع الكشف، وزاد النيل سنة زيادة عظيمة كادت مصر تفرق وأقام على الأرض حتى كاد، وقت الزرع يفوت فضج الناس بالشيخ أبي عمرو بسبب ذلك فأتى الشيخ إلى شاطئ النيل، وتوضأ منه فنقص في الحال نحو الذراعين، ونزل عن الأرض حتى انكشف، وزرع الناس في اليوم الثاني، ووقع في بعض السنين أن النيل لم يطلع البتة، وفات أكثر وقت زراعته، وغلت الأسعار، وخيف الهلاك، وضج الناس بالشيخ أبي عمرو فجاء إلى شاطئ النيل، وتوضأ فيه بإبريق كان مع خادمه فزاد النيل في ذلك اليوم، وتتابعت زيادته إلى أن انتهى إلى حده، وبلغ الله به المنافع، وزرع الناس تلك السنة الزرع الكثير، وصلى العشاء مرة بمنزله بمصر ثم خرج هو وخادمه أبو العباس المقري يتماشيان فدخلا مكة فصليا في الحجر ساعة طويلة ثم خرجا إلى المدينة فدخلاها فزارا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرجا إلى بيت المقدس فصليا فيه ساعة ثم رجعا إلى مصر قبل الفجر قال أبو العباس، ولم أحس تلك الليلة بتعب، وكان الرجل العربي إذا اشتهى أن يتكلم بالعجمية أو العجمي يريد أن يتكلم بالعربية يتفل في فمه فيصير يعرف تلك اللغة كأنها لغته الأصلية، مات رضي الله عنه بمصر سنة أربع وستين، وخمسمائة، وقد جاوز السبعين، ودفن بقرافتها شرقي الإمام الشافعي رضي الله عنه مما يلي سارية، وقبره ثم ظاهر يزار، رضي الله عنه.
ومنهم الشيخ سويد السنجاري
رضي الله تعالى عنه
هو من أعيان مشايخ المشرق وصدور العارفين، وأكابر المحققين صاحب الكرامات، والمقامات السنية، والإشارات العلية، وهو أحد من ملكه الله تعالى التصرف في العالم، وجمع له بين علمي الشريعة، والحقيقة وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين الصادقين بسنجار، وما يليها، وأجمع المشايخ على تبجيله، واحترامه، وقصد بالزيارات من سائر الأقطار، ومن كلامه رضي الله عنه مقام العارفين على سبعة أصول القصد إلى الله تعالى بالسير، والاعتصام بالله في الأمور، والجلوس مع الله تعالى بالأمر، والنصيحة لعباد الله في السر، والجهر، وكتم أسرار الله تعالى في الطي، والنشر، وثبوت الحال مع العلم بالصبر، وذكر لا إله إلا الله الملك الحق المبين فإذا قطع العارف هذه الأحوال، ورقى عن رؤية الأفعال فتح الله تعالى عليه في القصد إلى الله بالسرباب النفس، وعلامته أن يستروح القلب إلى أنوار التجلي بنفس السرور، وسراج الأنس في مشكاة الكشف وهذا النفس لا يكون إلا في حضرة الشهود بعد غيبة الأرواح، في معارج الأحوال، واستغراق الأسرار في مدارج روح القدس بحسم مادة الجهات، واتحاد العلم، وذهاب الرسم، وهذا أول ملابس العارفين وأول استرواح أرواح العارفين هذا الذي لا يطفئ نور شهوده نور، وجوده، ولا يحجب نور وجوده حقيقة شهوده، وحقيقة القصد إلى الله تعالى بالسر ظهور الحقيقة بادية في حجاب العلم ثم يفتح الله تعالى له في الاعتصام بالله باب العناية، وعلامته أن يفتح الله تعالى له من بصيرته عيونا ثلاثة عين يدرك بها المعرفة، وعين يدرك بها أنوار الحقائق، وعين يدرك بها أنوار المعرفة.
كما أن العيون ثلاثة عين البصر، وعين البصيرة، وعين الروح فعين البصر تدرك المحسوسات، وعين البصيرة تدرك المعنويات، وعين الروح تدرك الملكوتيات ثم يفتح الله تعالى له في الجلوس مع الله باب الاستغراق في عين التفريد، وله خمسة أركان فناء القرب في عين المشاهدة، واضمحلال العلم في بحر الجمع، واستهلاك الفناء في بحر الأزل. واستغراق الوجود في طي العدم، واسعدام البقاء في برد الأبد ففناء القرب في عين المشاهدة للمرسلين مصافاة الأسرار للمقربين عنايات الأبرار، واضمحلال العلم في بحر الجمع للصديقين رؤية، وللأبرار مشاهدة لأن الرؤية للذات، والمشاهدة لأنوار الصفات، وكان رضي الله عنه يقول: استهلاك الفناء في بحر الأزل للمرسلين حقيقة،
Halaman 129