126

Lawaqih Anwar

الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار

Penerbit

مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر

Tahun Penerbitan

1315 هـ

حال وجوده، ومن لا فقد له لا وجد، وأهله على مقامين ناظر، ومنظور إليه فالناظر مخاطب يشاهد الذي وجده، والمنظور إليه فغيب قد اختطفه الحق بأول، وارد ورد عليه، وكان رضي الله عنه يقول: الوجود نهاية الوجد لأن لتواجد يوجب استبعاد العبد، والوجد يوجب استغراق العبد، والوجود يوجب استهلاك العبد، وترتيب هذا الأمر حضور ثم ورود ثم شهود ثم، وجود ثم خمول فبمقدار الوجد يحصل الخمول، وصاحب الوجود له صحو، ومحو فحال صحوه بقاؤه بالحق، وحال محوه فناؤه بالحق، وهاتان الحالتان متعاقبتان عليه أبدا، وكان رضي الله عنه يقول: الوجود اسم لثلاثة معان الأول، وجود علم يقع به علم الشواهد في صحة مكاشفة الحق إياك، والثاني، وجود الحق، وجودا غير منقطع عن مساغ الإشارة، والثالث، وجود مقام ي اضمحلال رسم الوجود بالاستغراق في الأولية فإذا كوشف العبد بوصف الجمال سكر الكلب فطرب الروح، وهام السر.

وكان رضي الله عنه يقول: الصحو إنما هو بالحق فإذا كان بغير الحق فلا يخلو من حيرة يعني حيرة في مشاهدة نور العزة لا حيرة شبهة، وكان يقول: المواجيد ثمرات الأوراد، ونتائج المنازلات، وكان يقول: ترك الأحوال قبل، وجود الله تعالى محال، وطلب الأحوال بعد، وجود الله تعالى محال. وكان يقول: من تهاون بسر الله تعالى أنطق الله تعالى. لسانه بعيوب نفسه، وكان رضي الله عنه إذا خرج من خلوته لا يمر على شجرة يابسة إلا أورقت، ولا بذي عاهة إلا عوفي، سكن رضي الله عنه بالبصرة، وبها مات قبل سنة ثمانين، وخمسمائة، ودفن بظاهرها، وقبره هناك ظاهر يزار. ولما صلى عليه سمع في الجو أصوات طبول تضرب، وكانوا كلما رفعوا أيديهم في التكبير للصلاة عليه سمعوها رضي الله عنه.

ومنهم الشيخ أبو عمرو عثمان بن مرزوق القرشي

رضي الله تعالى عنه

وهو من أكابر مشايخ مصر المشهورين، وصدور العارفين، وأعيان العلماء المحققين صاحب الكرامات الظاهرة، والأحوال الفاخرة، والأفعال الخارقة، والأنفاس الصادقة، وهو أحد العلماء المصنفين، والفضلاء المفتين أفتى بمصر على مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه، ودرس، وناظر، وأملى، وخرف الله تعالى له العوائد وقلب له الأعيان، وانتهت إليه تربية المريدين الصادقين بمصر، وأعمالها، وانعقد إجماع المشايخ عليه بالتعظيم، والتبجيل، والاحترام، وحكوه فيما اختلفوا فيه، ورجعوا إلى قوله. ومن كلامه رضي الله عنه الطريق إلى معرفة الله تعالى، وصفاته الفكر، والاعتبار بحكمه وآياته، ولا سبيل للأسباب إلى معرفة كنة ذاته، وكان يقول: لو تناهت الحكم الإلهية في حد العقول، وانحصرت القدرة الربانية في درك العلوم لكان ذلك تقصيرا في الحكمة، ونقصا في القدرة، ولكن احتجبت أسرار الأزل عن العقول كما استترت سبحات الجلال عن الأبصار فقد رجع معنى الوصف في الوصف، وعمي الفهم عن الدرك، ودار الملك في الملك، وانتهى المخلوق إلى مثله، واشتد الطلب إلى شكله، وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا، وكان رضي الله عنه يقول: جميع المخلوقات من الذرة إلى العرش طرق متصلة إلى معرفته، وحجج بالغة على أزليته، والكون جميعه ألسن ناطقة بوحدانيته، والعالم كله كتاب يقرأ حروفه المبصرون على قدر بصائرهم. وكان رضي الله عنه يقول: إذا هبت ريح السعادة، وتألق برق العناية على رياض القلوب، وأمطرت، ودق الحقائق من جلال سحائب الغيوب ظهرت فيها أزهار قرب المحبوب، وأينعت ببهجة أنوار نيل المطلوب فوجدت ريح القرب في لذة المشاهدة، واستجلاء الحضور بالسماع، وآنست نار الهيبة حين أضرمها ضوء المحبة مع الشخوص عن الأنس إلى المقام إلى نور الأزل بصولة الهيمان، وقامت بأقدام الفناء في خلوة الوصل على بساط المسامرة بمناجاة تشبث الكون بصفاء اتصال تعرف نهايات الخير في بدايات العيان، وتطوي حواشي الحدث في بقاء عز الأزل فهناك رسخت أرواحهم في غيب الغيب، وغاصت أسرارهم في سر السر فعرفهم مولاهم ما عرفهم، وأراد منهم من مقتضى الآيات ما لم يرد من غيرهم، وخاضوا بحار العلم اللدني بالفهم العيني لطلب الزيادات فانكشف لهم من مدخور الخزائن تحت كل ذرة من ذرات الوجود علم مكنون، وسر مخزون، وسبب يتصل بحضرة القدس يدخلون منه على سيدهم عز وجل فأراهم من عجائب ما عنده ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وكان رضي الله عنه يقول: من عرف نفسه لم يغير عليه ثناء الناس عليه، وكان يقول: من لم يصبر على صحبة مولاه ابتلاه الله بصحبة العبيد، ومن انقطعت آماله إلا من مولاه فهو العبد حقيقة، وكان يقول: فن تحقق بالرضا

Halaman 128