الشَّرْع محَال وَلِهَذَا اتفقنا على أَن الْحق فِي العقليات وَاحِد؛ لِأَن القَوْل بِوُجُود الصَّانِع وَعَدَمه وحدوث الْعَالم وَقدمه تنَاقض بَين
وَمن جملَة مقالتهم الْفَاسِدَة أَن اجْتِهَاد الْمُجْتَهد فِي الحكم كاجتهاد الْمُصَلِّي فِي أَمر الْقبْلَة عِنْد التباسها وَالْحق فِي أَمر الْقبْلَة مُتَعَدد اتِّفَاقًا، فَكَذَا هَهُنَا لعدم الْفرق
وَالْجَوَاب: أَنا لَا نسلم تعدد الْحق فِي أَمر الْقبْلَة، إِذْ لَو تعدد لما فَسدتْ صَلَاة مُخَالف الإِمَام عَالما حَاله؛ إِذْ لَو كَانَ كل مُجْتَهد مصيبا لصَحَّ صَلَاة الْمُخَالف، لإصابتهما جَمِيعًا فِي جِهَة الْقبْلَة، نظرا إِلَى الْوَاقِع؛ وَفَسَاد الصَّلَاة يدل على حَقِيقَة مَذْهَبنَا
وَاخْتلف فِي الِاجْتِهَاد للنَّبِي ﵊
قَالَ بَعضهم: يمْتَنع لَهُ الِاجْتِهَاد لقدرته على الْيَقِين فِي الحكم بالتلقي من الْوَحْي بِأَن ينتظره وَقَالَ بَعضهم بِالْجَوَازِ والوقوع فِي الآراء والحروب فَقَط، جمعا بَين الْأَدِلَّة المجوزة والمانعة وَأكْثر الْمُحَقِّقين على الْوَقْف، حَكَاهُ الإِمَام فِي " الْمَحْصُول "
[وَقَالَ بَعضهم: لَهُ الْوَحْي الْخَاص وَإِنَّمَا الرَّأْي وَالِاجْتِهَاد حَظّ أمته وَقد قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى﴾ وَقَالَ بَعضهم: كَانَ لَهُ الْعَمَل فِي أَحْكَام الشَّرْع بِالْوَحْي لَا الرَّأْي جَمِيعًا وَهُوَ مَنْقُول عَن أبي يُوسُف ﵀ وَهُوَ مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي ﵀ وَعَامة أهل الحَدِيث، لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار﴾ وَالنَّبِيّ ﷺ أعظم النَّاس بَصِيرَة وأصفاهم فطنة وَأَحْسَنهمْ استنباطا فَكَانَ أولى بِالدُّخُولِ تَحت هَذَا الْخطاب الْعَام، وَالصَّحِيح أَنه كَانَ مَأْمُورا بانتظار الْوَحْي فِي حَادِثَة لَيْسَ فِيهَا وَحي، ثمَّ إِذا انْقَطع طمعه عَن الْوَحْي فِي بَيَان حَال الْحَادِثَة الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِ يعْمل بِالِاجْتِهَادِ كَمَا فِي انْتِظَار الْمُتَيَمم، ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز خطئه فِي اجْتِهَاده]
وَالصَّحِيح جَوَازه لَهُ فِيمَا لَا نَص فِيهِ، ووقوعه لقَوْله تَعَالَى: ﴿عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم﴾ أَي: لمن ظهر نفاقهم فِي التَّخَلُّف عَن غَزْوَة تَبُوك، لَكِن لَا يجوز إِقْرَاره على الْخَطَأ، بل يُنَبه عَلَيْهِ فِي الْحَال، وَإِلَّا لَأَدَّى إِلَى أَمر الْأمة بِاتِّبَاع الْخَطَأ وَقيل: الصَّوَاب أَن اجْتِهَاده لَا يُخطئ تَنْزِيها لمنصب النُّبُوَّة عَن ذَلِك واجتهاد الصَّحَابِيّ أقرب من اجْتِهَاد التَّابِعِيّ لما لَهُم من الدرجَة الزَّائِدَة وَلَهُم زِيَادَة جهد وحرص فِي طلب الْحق
وَالِاجْتِهَاد على مَرَاتِب: بَعْضهَا فَوق بعض فَيجب الْعَمَل بِمَا فِيهِ احْتِمَال الْغَلَط أقل، وَلِهَذَا قُلْنَا: خبر الْوَاحِد مقدم على الْقيَاس؛ وَالِاجْتِهَاد لَا ينْقض بِمثلِهِ، لِأَن الثَّانِي لَيْسَ بأقوى من الأول، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَن لَا يسْتَقرّ حكم، وَفِيه مشقة، فَلَو حكم القَاضِي برد شَهَادَة الْفَاسِق ثمَّ تَابَ فَأَعَادَهَا لم تقبل، لِأَن قبُول شَهَادَته بعد التَّوْبَة يتَضَمَّن نقض الِاجْتِهَاد بِالِاجْتِهَادِ
وَالِاجْتِهَاد قد يكون فِي مورد النَّص: كالاجتهاد فِي قَوْله ﵊: " الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا
وَالْقِيَاس شَرطه فقد النَّص فالاجتهاد يُوجد بِدُونِ
1 / 45