العرب تستعمل التعريض في كلامها فتبلغ ارادتها بوجه هو ألطف وأحسن من الكشف والتصريح.. ويعيبون الرجل إذا كان يكاشف في كل وجه يقولون فلان لا يحسن التعريض الا ثلبا " وقد " جعله الله في خطبة النساء جائزا فقال ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكنتم في أنفسكم ولم يجز التصريح.. والتعريض في الخطبة ان يقول للمرأة والله انك لجميلة وانك لشابة ولعلى الله ان يرزقك بعلا صالحا وان النساء لمن حاجتي وأشباهه من الكلام " وروي " بعض أصحاب اللغة ان قوما من الاعراب خرجوا يمتارون فلم صدروا خالف رجل في الليل إلى عكم صاحبه وأخذه وجعله في عكمه فلما أراد الرحلة وقاما يتعاكمان رأى عكمه يشول وعكم صاحبه يرجح ويثقل فأنشأ يقول
عكم تعشي بعض اعكام القوم
لم أرى عكما سارقا قبل اليوم
" وعن " سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل حكاية عن موسى عليه السلام لا تؤاخذني بما نسيت قال لم ينس ولكنها من معاريض الكلام وأراد ابن عباس انه لم يقل اني نسيت فيكون كاذبا ولكنه قال لا تؤاخذني بما نسيت فأوهمه النسيان تعريضا " وساير " شريك النمري عمر بن هبيرة الفزاري على بغلة فجازت برزون عمر فقال له عمر اغضض من لجامها فقال شريك انها مكتوبة اراد عمر قول الشاعر
فغض الطرف انك من نمير
فلا كعب بلغت ولا كلابا
وأراد شريك قول الآخر
لا تأمنن فزاريا خلوت به
على قلوصك واكتبها بأسيار
" والتقى تميمي ونميري في مجلس وخاضا مع الخائضين فقال التميمي يعجبني من الجوارح البازي فقال النميري لا سيما إذا كان يصيد القطاة وانما اراد التميمي قول الشاعر
انا الباز المطل على نمير
اتيح من السماء لها الصبابا
وأراد النميري قول الطرماح
تميم يطرق اللؤم أهدي من القطا
ولو سلكت طرق المكارم ضلت
" ودخل " رجل من محارب على عبد الله بن يزيد الهلالي وهو بارميلية فقال عبد الله ما لقينا البارحة من شيوخ محارب ما تركونا ننام يعني الضفادع ويريد قول الاخطل
تنق بلا شيئ شيوخ محارب
وما خلتها كانت تريش ولا تبرى
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت
فدل عليها صوتها حية البحر
فقال أصلحك الله انهم أضلوا البارحة برقعة فكانوا في طلبه يريد قول الشاعر
لكل هلالي من اللؤم جنة
ولابن يزيد برقع وجلال
" ومن التعريضات بالفعل " ما يروى ان معاوية ارسل إلى عمرو بن العاص بكلام فقال للرسول انظر ما يرد عليك فلما تكلم عض عمرو ابهامه حتى فرغ الرسول ولم يزده على ذلك فلما رجع إلى معاوية اخبره بفعله فقال له معاوية ما اراد قال لا أدري فقال انما قال أتقرعني وأنا الوك شكيمة قارح " وكان الفضل " بن الربيع مطعونا عليه في نسبه لان الربيع كان مملوكا ولكنه يلتمى إلى يونس بن محمد بن أبي فروة مولى عثمان وذلك ان جارية ليونس ولدت الربيع فانكره يونس فلما ترعرع باعه وتقلبت به احوال واملاك حتى اشتراه زياد بن عبد الله الحارثي خال السفاح فلما رأى عقله وأدبه أهداه إلى المنصور فلما أعتقه واصطنعه بلغه انه ينتمي إلى يونس فأديه وقال أعتقتك واستنجبتك ثم تدعي ولاء عثمان فلهذه القصة كان جعفر بن يحيى الفضل بن الربيع أبا روح لان اللقيط به يكنى: وأهل المدينة يسمعون اللقيط فرخا وهو عندهم فرخ زنا فيحكى ان الرشيد كان يأكل يوما مع جعفر فوضعت له ثلاثة افراخ فقال الرشيد لجعفر يمازحه قاسمني للستوى في أكلي فقال قسمة عدل أم جور قال قسمة عدل فأخذ جعفر فرخين وترك واحدا فقال له الرشيد أهذا العدل قال نعم معك فرخان ومعك فرخان قال فأين الآخر قال هذا وأومأ إلى الفضل بن الربيع وكان واقفا على رأسه فتبسم الرشيد وقال يا فضل لو تمسكت بولائنا لسقط هذا عنك ولم يفهم الفضل ما قالاه الا بعد مدة.. ويروي أن رجلا من بني فزارة رمى إلى رجل من بني ضبة بخاتم أزرق فشد عليه الضبي سيرا ورده اليه وانما اراد قول الفزاري الشاعر
لقد رزقت عيناك ياابن مكعبر
كما كل ضبي من اللؤم أزرق
لا تأمنن فزاريا خلوت به
على قلوصك وأكتبها بأسياري
Halaman 83