Khawatir Khayal
خواطر الخيال وإملاء الوجدان
Genre-genre
لمحت بعد هنيهة طفلة جميلة كأنها دمية جاد بها بنان «فدياس» تعدو فوق بساط العشب الزمردي وهي تطارد فراشا جميلا كأنه استعار بردا من ذاك الشفق، أو كأنه قطع من وريقات ورود مختلفة الألوان خيط بعضها إلى بعض، أو صفائح الجمان رصعت بزبرجد وياقوت ومرجان، وما لبث أن حط هذا الفراش فوق صدري كأنه يتوسل إلي أن أنقذه من صائدته الرشيقة، فمسحت الطفلة ولاطفتها قائلا: أتبيعينني هذا الفراش المسكين بصورة جميلة تماثلك ولفافة شهية من «الشكولاته»؟ - إنك تخدعني ريثما يفلت صيدي.
ثم منحتها الثمن فتهللت وهرولت إلى مربيتها وطفقت تفاخرها بثمن صيدها.
هدأت روع الفراش وطمأنته وقلت له: إنني أحبك حبا جما فلا أستطيع مفارقتك، فهل ترافقني إلى داري لتعرف مكانها علك تزورني من آن لآخر وتتخذني صديقا وفيا؟ - ذلك ما كنت أبغيه، فإنني مدين لك بحياتي.
ثم رجعت إلى داري وصديقي محلق في العلا متتبع خطواتي إلى أن وافيناها فقلت: أهلا بمثال الرشاقة واللطف، أهلا بآية الجمال والظرف، مرحبا بصاحب البرد المزركش، والطيلسان المرقش، دونك أزهارا نضرة من ورود ونرجس وسوسن وأقحوان، فاقتعد منها ما تشاء، وارتشف ما تشتهي من رحيقها، ثم افتح لي صدرك وخبرني عن سرائك وضرائك. - إننا معشر الفراش خلق فتن بالأزهار والرياض، لا نأكل إلا رحيقها، ولا نشرب غير نداها، نأنس بها وتأنس بنا، وتحبنا ونحبها، وحينما يرانا الإنسان متعانقين يتملكه الحسد وينقض علينا ويسمر جناحينا بإبره ثم يحقننا بسموم تكون لنا قاتلة ومحنطة، ويحفظنا في رموس من الزجاج، ويتخذ من رفاتنا زينة، ومن عفننا ذخيرة، إننا نحسن للإنسان وهو لا يدري، ونعمل له الخير دون أن نعلنه، إذ لا نريد جزاء ولا شكورا، نحن الذين يبدعون له كل يوم من مختلف الثمار ما يلذ له، ومن شائق الأزهار ما يفتنه، نحن وحدنا الذين تفتح لهم عاشقاتهم الأزهار ثغورها لنلقحها من أبناء جنسها، فنحدث لهم ألوانا شتى تسر الناظرين، فيا له من قاس ظالم نعامله بالإحسان ويكافئنا بالعدوان. - هون عليك أيها الصديق البار فقد جبل الإنسان على الظلم والعدوان، وإن أردت أن تتقي شروره فاعتزله واهرع إلى الغابات العذراء، واتخذها لك وحدك جنة تنعم بسكونها وترتشف ثغور زهرها وتنتعش بنسيم صباها وشميم شذاها، وحبذا لو تفضلت وزرتني من فترة لأخرى حتى أنعش النفس بحديثك الحلو، وأمتع الطرف بجمالك المتجدد، وتيقن أنك تجد عندي في كل الأوقات من بديع الزهر ما تشتهي أن تقتات منه وتنعم به.
ليتني أوتيت حريتك وهناءتك! ليتني وهبت جمالك ورشاقتك، فأنتقل من الزهرات إلى الثمرات، ومن العيون الجاريات إلى شائق الجنات، ومن الندى البليل إلى النسيم العليل، تتخذ من ثغور الأزهار مضجعا، ومن وريقاتها المزرية ببديع الديباج غطاء، ومن أوراق الأفنان عرشا وسماء. - سنلتقي قريبا فلا تخش فراقا طويلا أيها الصديق الوفي، والمحسن السخي. - على الطائر الميمون، تشيعك المهج والعيون! سلام يا ملك الجنات! سلام يا مبدع الثمرات والزهرات! سلام يا رب الرشاقة والجمال، سلام يا حلو الشمائل والخلال! (6) الأدب حليف الشقاء
يرتاح روحي ويبتهج فؤادي لقراءة سطور الشقاء وآيات البؤس والآلام ارتياح أذني لسماع ألحان الأشجان، ونغمات التأوهات والأحزان، ويهدأ ثائري وينعم بالي لرؤية تمثيل الفاجعات والأكدار، ومطاردة القضاء ومعاندة الأقدار.
كنت ذات يوم منفردا مهموما مكروبا أستعرض جيوش شقائي، وصور بؤسي وبلائي، لا أجد بجانبي فؤادا رحيما أشكو إليه بثي فيسكن آلامي بكلمة حلوة أو عبرة مترقرقة آنس منها عطفا وإشفاقا.
كبر على الزمان أن يرى بجانبي فؤادا رحيما يتوجع لبلائي، ويتهلل لسعادتي وهناءتي، ويؤنسني في وحدتي، ويسليني في وحشتي، فاختطف أما حنونا بارة صالحة، فذهب بذهابها آخر قلب شفيق وخاتمة العزاء والسلوان والرحمة والحنان.
وبينا أنا مطرق الرأس مسترسل العبرات، إذ شعرت بيد لطيفة تمسح رأسي المطرق، وطرفي المغرورق. نظرت إلى الطارق فإذا هو طيف الشعر بوجهه المشرق وثغره الباسم يقول: «بجانبك كتاب جديد لم تقرأه بعد، وهو خير عزاء، وأجل شفاء.»
أسرعت إلى الكتاب وطفقت أقرأ صحفه بشوق زائد وارتياح عظيم، فإذا هو يسطر تاريخ «ديبورد فالمور» الشاعرة المجيدة الفرنسية مع نخب من قريضها، كانت آية في الجمال ومثالا للرشاقة والرقة، تشجي النفوس برخامة صوتها، وتفتن القلوب ببراعة تمثيلها، وتسحر الحواس برائق شعرها، ورائع بلاغتها.
Halaman tidak diketahui