Bagaimana Kita Mendidik Diri Kita Sendiri
كيف نربي أنفسنا
Genre-genre
وأهم من هذه الكتب الرمزية تلك البذرية التي بعثت الخمائر في النشاط الثقافي العام، وقد ذكرنا أربعة من المؤلفين لهذه الكتب، وهم داروين وروسو وفرويد وماركس، والذهن المثقف الذي ينشد النظام والنظافة والوضوح، في فهم المشكلات البشرية العصرية، يحتاج إلى دراسة هؤلاء الأربعة وأكثر منهم. •••
ولكن ذكر الأسماء للكتب لا يعني كثيرا، وليس هو «الوصفة» التي تنفع لكل قارئ؛ ذلك أننا نطلب الكتاب كما نطلب الغذاء أو الدواء، ولذلك يختلف كل منا عن الآخر؛ ولهذا نقول إن الأساس للثقافة هو الاهتمام الذي يمكن أن نعده حالة نفسية اقتضتها الظروف مكانا وزمانا وهو - أي الاهتمام - الحافز الأصيل الذي يحمل الشاب على الفهم والاستزادة من الفهم، وهو الذي يعين له الأسماء الكتب وموضوعاتها.
بذور ثقافتي
من حق القارئ أن يسأل ما هي بذور ثقافتي التي أرعاها بالنمو وأسترشد بها في معنى الحياة ودلالتها، بل لعله يرى أن مثل هذا الكتاب الذي يقرأ يجب أن يكون مؤلفه مغرما بالثقافة، ينفعل ويجدد نفسه بها في تطور لا ينقطع.
ولكن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى كتاب مستقل تسرد فيه ظروف البيئة العائلية أيام الطفولة، ثم التعليم والتربية في الصبا والشباب، إلى التكون والنضج بالتفاعل المستمر بين الشخصية وظروف الثلاثين أو الأربعين من السنين الأخيرة، وهذا ما لا يستوعبه فصل موجز، وهذه دراسة موضوعية شاقة.
على أن المؤلف يستطيع مع ذلك إلى أن يشير إلى القليل من أعلام الطريق البارزة في حياته الثقافية، لعل القارئ يجد فيها بعض الفائدة في الاسترشاد.
وأول ما أقول وأنبه عنه أني لا أكاد أجد شيئا من ثقافتي يعود الفضل فيه إلى المدارس التي تعلمت فيها، فقد تعلمت في هذه المدارس مواد، وأخذت معارف لم تكن كبيرة القيمة، ولكني لم أتعلم فيها سلوكا، ولم أتخذ منها أسلوبا لتربيتي، وقد نسيت معظم ما تعلمته في المدرسة من قواعد النحو، وأسماء في الجغرافيا والتاريخ، وعمليات في الجبر والهندسة إلخ ... نسيت كل هذا أو معظمه عن ظهر قلب، متعمدا، راجيا النسيان، حتى أخلي ذهني لما يستحق أن يدرس ويعرف من شئون هذا الكوكب.
وكثير ممن يعرفونني يعجبون لسعة ثقافتي، ولهم الحق في هذا؛ فإني كثيرا ما أجدني بالمقارنة مع غيري قادرا على أن أناقش الأديب والطبيب والسيكلوجي والجيولوجي والمؤرخ والديني والمادي وغير هؤلاء على قدم المساواة، ليس في كل ما يعملون، بل في كثير منه مما له دلالة في ثقافتنا، وهذه السعة في الثقافة تتيح لي، بل تحملني على النظر التكويني التأليفي البنائي للشئون العالمية البشرية، بدلا من النزوع إلى التحليل والنقض والهدم، ولكني مع ذلك أذكر أني في حمى الثقافة التي أصابتني حوالي الثامنة عشرة من عمري كنت أنزع إلى التحليل والنقد، بل النقض، كما يرى القارئ مثلا في أول ما نشر لي سنة 1909 في مجلة المقتطف وعنوانه «نيتشه وابن الإنسان»، وليس أكثر إمعانا في الهدم من افتتاح الحياة العلمية الصحفية بنيتشه، فقد كان هذا المؤلف رمزا لحياتي الكفاحية.
وقد كان من المصادفات الحسنة أن أعرف المقتطف في سن مبكرة وأشترك فيها، وآخذ عنه ذلك الأسلوب الاقتصادي البعيد عن الثرثرة اللفظية، كما آخذ أيضا عنه تلك النزعة العلمية، وما زلت إلى الآن علمي المزاج تلغرافي الأسلوب، حتى إني لأوثر أن أقرأ كتابا عن الغدد الصم أو عن جيولوجية الفيوم على قصة روسية من الطراز العالي، ولست أعني أني أهمل القصة، بل أرجئ قراءتها إلى ما بعد الكتاب العلمي، أحاسب نفسي فيه على الكلمة الزائدة كما لو أخطأت في نصب الفاعل أو رفع المفعول.
ثم أتاح لي الحظ أن أعيش في باريس ولندن سنوات استطعت فيها أن أجد التربية والتوجيه والفلسفة؛ فإن الجرائد اليومية والمجلات الشهرية والأسبوعية في كلتا العاصمتين، وخاصة في لندن، كانت تنظر النظر العالمي للشئون السياسية والاقتصادية، حين كانت جرائد مصر تنظر النظر القروي، وكان كفاحنا للإمبراطورية البريطانية في مصر يجعل التفكير في الرقي الاجتماعي أو في أي رقي آخر بعيد عن أذهاننا؛ لأن كل همنا واهتمامنا كان منصبا على الاستقلال، وكنا على حق في هذا، ولكن هذا الكفاح كان يحول دون الرؤيا العالمية والتوسع الثقافي لقارئ الجريدة المصرية.
Halaman tidak diketahui