على رغم الحسود. فمن عمل عملك فهو مسعود، وحذا حذوك فهو موعود بدار الخلود، ألا ترى كيف علت همتى، وسمت عزيمتى، فلم أرض لنفسى بما رضيته أبناء جنسي، لأني نظرت إلى الوجود، وما فيه موجود، فرأيت آدم وبنيه من الكل مقصود، خلق الله الكائنات لأجلهم، في كلامهم، وشاركتهم في طعامهم، فأتشبه بهم، وإن لم أكن منهم، وأخالطهم ولا أرغب عنهم، فغلت قيمتى إذ علت عزيمتى، فأحلوني محل النديم، وألف بيني وبينهم من له الحكم القديم، فاذكر كما يذكرون، وأشكر كما يشكرون، لعلهم عند اللقاء يذكرون، وإذا ذكرت يشكرون، فأكون في الدنيا من خدامهم، وفي الجنة تحت أقدامهم، وفي ذلك أقول:
اخْتَبِرْ حَالِى تَجِدْنِى ... مِنْ أصحِّ النَّاسِ مَجْبَرْ
أَنَا قَدْ أَحُبَبْتُ قَوْمًا ... شُرِّفُوا مَعْنًى وَمَنْظَرْ
كَبِّرُوا قَدْرًا وَذِكرًا ... فهُمُ أزْكَى وَأَطْهَرْ
هَكَذَا قَدْ قَالَ حَقًّا ... سَيدُ الكونِ وَبَشَّرْ
كُلُّ مَنْ يَهْوَى حَبِيبًا ... فَمَع المَحْبُوبِ يُحْشَرْ
فلما سام نفسه بهذا السوم، ورأيته قد جلس بمزاحمته في صدور مجالس القوم، قلت: ما رأيت كاليوم، البهائم في اليقظة، وأنا في النوم، مالي لا أزاحم على أبواب ذوى المراحم، لعل يوهب مرحوم لراحم، ويقال: مرحبا بالقاجم، ها قد وهبنا الجناية للنادم.
1 / 88