فصل
وهذه أمثال حسان مضروبة للمعطِّل والمشبِّه والموحِّد ذكرتُها قبل الشروع في المقصود، فإن ضربَ الأمثال مما يأنس به العقلُ لتقريبها المعقول من المشهود.
وقد قال تعالى - وكلامه المشتمل على أعظم الحجج وقواطع البراهين- ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣)﴾ [العنكبوت: ٤٣]. وقد اشتمل منها على بضعة وأربعين مثلًا، وكان بعض السلف إذا قرأ مثلًا لم يفهمه اشتدّ بكاؤه، ويقول: لست من العالمين. وسنفرد لها إن شاء الله كتابًا مستقلًاّ متضمنًّا لأسرارها ومعانيها وما تضمنته من فنون العلم وحقائق الإيمان.
وبالله المستعان وعليه التكلان.
المثل الأول: ثيابُ المعطِّل ملطَّخةٌ بعَذِرَةِ التحريف، وشرابه متغيّر بنجاسة التعطيل. وثيابُ المشبِّهَ متضمِّخَةٌ بدم التشبيه، وشرابه متغيّر بفَرْث التمثيل. والموحد طاهر الثوب والقلب والبدن، يخرج شرابه من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين.
المثل الثاني: شجرةُ المعطِّل مغروسةٌ على شفا جُرُفٍ هارٍ.
وشجرةُ المشبِّه قد اجتُثث من فوق الأرض ما لها من قرار. وشجرةُ الموحّد أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكُلَها كل حين بإذن ربّها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون.
المثل الثالث: شجرةُ المعطّل شجرةُ الزَّقُّوم، فالحلوق السليمة لا تبلعُها. وشجرةُ المشبِّه شجرةُ الحنظَل، فالنفوس المستقيمة لا تتبعُها. وشجرةُ الموحِّد طُوبَى يسير الراكب في ظلّها مائةَ عام لا يقطعُها.
المثل الرابع: المعطِّل قد اتخذ قلبَه لوقاية الحر والبرد بيتَ العنكبوت. والمشبّه قد خُسِف بعقله، فهو يتَجلْجَلُ في أرض التشبيه إلى البَهْمُوت. وقلبُ الموحّد يطوف حول العرش ناظرًا إلى الحيّ الذي لا يموت.
المثل الخامس: مصباح المعطّل قد عصَفت عليه أهوِيةُ التعطيل،
المتن / 16