وإن كان غير ذلك سمعتم جوابَ المثبت، وتبيّن لكَم حقيقةُ ما لديه. فأبَوا ذلك أشدّ الإباء، واستعفَوا غاية الاستعفاء.
فدعاهم إلى القيام بين الركن والمقام قيامًا في مواقف الابتهال، حاسري الرؤوس نسأل الله أن يُنزل بأسَه بأهل البدع والضلال. وظنّ المثبتُ واللهِ أن القوم يجيبون إلى هذا، فوطّن نفسه عليه غاية التوطين، وبات يحاسب نفسه ويعرض ما يثبته وينفيه على كلام رب العالمين، وعلى سنة خاتم المرسلين، ويتجرد عن كل هوى يخالف الوحي المبين، ويهوي بصاحبه في أسفل السافلين. فلم يجيبوا إلى ذلك أيضًا، وأتوا من الاعتذار، بما دلّ على أن القوم ليسوا من أولى الأيدي والأبصار.
فحينئذ شمّر المثبتُ عن ساق عزمه، وعقد لله مجلسًا بينه وبين خصمه. يشهده القريب والبعيد، ويقف على مضمونه الذكيّ والبليد. وجعله عقدَ مجلس التحكيم بين المعطِّل الجاحد والمُثبِت المرمي بالتجسيم.
وقد خاصم في هذا المجلس بالله وحاكمَ إليه، وبرِئَ إلى الله من كل هوى وبدعة وضلالة، وتحيُّزٍ إلى فئةٍ غيرِ رسول الله ﷺ وما كان أصحابه عليه. والله سبحانه المسؤول أن لا يكِلَه إلى نفسه ولا إلى شيء مما لديه، وأن يوفقه في جميع حالاته لما يحبه ويرضاه، فإنّ أزِمّةَ الأمور بيدَيه.
وهو يرغب إلى من يقف على هذه الحكومة أن يقومَ لله قيامَ متجرِّدٍ عن هواه، قاصدًا لرضا مولاه؛ ثم يقرأها متفكرًا، ويعيدَها ويبدئَها متدبرًا؛ ثم يحكمَ فيها بما يرضي الله ورسوله وعباده المؤمنين، ولا يقابلَها بالسبِّ والشتم كفعل الجاهلين والمعاندين.
فإن رأى حقًّا قَبله وشكَر عليه، وإن رأى باطلًا ردّه على قائله وأهدى الصواب إليه، فإنّ الحقّ لله ورسولِه، والقصدُ أن تكون كلمةُ
السنة هي العليا، جهادًا في الله وفي سبيلِه. واللهُ عندَ لسانِ كلِّ قائل وقلبه، وهو المطّلع على نيتهِ وكسبِه. وما كان أهلُ التعطيل أوليَاءَه، إن أولياؤه إلّا المتقون المؤمنون المصدّقون. ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)﴾ [التوبة: ١٠٥].
المتن / 15