Akar Falsafah Strukturalisme
الجذور الفلسفية للبنائية
Genre-genre
إن من الحقائق المعروفة، في حالة فلسفة كانت، أنه افترض للذهن البشري تركيبا معينا دون أن يحدد مصدر هذا التركيب، فهو لا يقول لنا من الذي وضع في الذات الإنسانية صور الحساسية ومقولات الفهم التي هي أساس معرفتنا لكل ظواهر العالم، ولا يبين لنا كيف أصبح للذات هذا التركيب بعينه. ويمكن القول إن ليفي ستروس قد سار في أعقاب كانت في هذه المسألة بدورها؛ فهو لا يبين لنا كيف تكون البناء، ولا يحدد له أصلا، وأغلب الظن أنه ينظر إلى السؤال عن أصل البناء على أنه سؤال ميتافيزيقي لا شأن له به.
ومع ذلك ففي مجال العلم ينبغي أن يطرح هذه السؤال، ولا يمكن أن يقبل المشتغلون بالعلم سواء في ميدان الأنثروبولوجيا أو غيره، افتراضا مسبقا بوجود بناءات ثابتة للعقل البشري تفرض نفسها على كل نواتجه الاجتماعية والثقافية، وتصبغها بصبغتها الخاصة، ما لم يحدد الباحث أصلا لهذه الأبنية، يكفي لإقناعهم بأن لها هذا القدر من العمومية والثبات، وهو ما لم يفعله ليفي ستروس.
ولقد كان الأصل الوحيد الذي ورد في كتاباته صراحة، هو الأصل اللغوي. وهذه نقطة أساسية كان فيها ستروس مختلفا عن كانت الذي لم تكن للغويات أهمية في فلسفته. ومع ذلك فمن الممكن القول بوجود قدر معين من التشابه حتى في هذه الحالة. فمن المعروف أن «كانت » قد استمد قائمة مقولاته من أنواع الأحكام المنطقية، مرتكزا في ذلك على الفكرة القائلة إن النشاط الرئيسي للذهن البشري يتمثل في عملية إصدار الأحكام ذات الطابع المنطقي، ومن ثم فإننا إذا حصرنا قائمة الأحكام التي يصدرها ذهننا، أمكننا أن نستخلص منها المقولات والقوالب الرئيسية التي يشكل بها الذهن كل موضوع يدخل في نطاق معرفته. ويجوز أن ليفي ستروس لم يبتعد كثيرا عن هذه الفكرة، حين قال إن النشاط الرئيسي للذهن هو العملية الرمزية التي تتثمل في اللغة
6
وإننا نستطيع أن نرجع الأنساق الرئيسية التي ينظم بها الإنسان حياته الاجتماعية إلى تلك البناءات الأساسية المشتركة بين كل اللغات البشرية.
وعلى أية حال، فإن وجه الخطورة في هذا الرأي هو أنه يحكم على اللغات البشرية في عمومها من خلال وجهة نظر معينة، هي السائدة في عصر معين أو في مدرسة فكرية معينة. ومن المعروف في علم اللغويات أن النماذج اللغوية تتعدد بتعدد المدارس. وقد تأثر ستروس بالنموذج الذي وضعه «جاكوبسن»، وهو نموذج تجاوزته الأبحاث التالية في علم اللغويات بمراحل. «فالآليات التي تعتمد عليها قدرة الإنسان على إضفاء معنى مركب على الكلمات البشرية، وما يترتب على هذه القدرة من تكوين أنماط محددة، هي عمليات أعقد بكثير مما يوحي به النموذج المبسط من وراء نظريات جاكوبسن وستروس. ومن هنا فإن ما يستخلصه من بناءات مستمدة من معطيات غير كافية، ليست على الاطلاق بناءات تعبر عن صفات مشتركة بين الإنسانية كلها، بل إنها تعبر عن صفات جماعة ثقافية معينة فحسب.»
7
ولقد كان هذا الاتجاه إلى تعميم نموذج لغوي معين على كل مجالات العلوم الإنسانية، وإنكار تعدد النماذج بتعدد ميادين البحث، هو الذي أدى بالنقاد إلى التحذير من خطورة التعميمات الشاملة لدى البنائيين، ولدى ستروس بوجه خاص. وبالفعل نجد في البنائية ميلا إلى اتهام كل من لا يعترف بهذا الأنموذج الواحد، ويطبقه على كل مجالات العلوم الإنسانية بأنه جاهل أو مفتقر إلى الروح العملية، مما دعا «لوفيفر
Henri Lefebvre » إلى أن يصف البنائية بأنها «مذهب إرهابي»؛ لأن المرء في نظرها إما أن يكون بنائيا متسقا يؤمن بأنموذج موحد، ويطبقه تطبيقا شاملا على كل شيء، وإما أن يكون شخصا لا يفهم شيئا.
8
Halaman tidak diketahui