Akar Falsafah Strukturalisme
الجذور الفلسفية للبنائية
Genre-genre
a priorisme ؛ ففي استطاعتنا أن نفهم النواتج الثقافية على أساس البناء الواحد الذي ترتكز عليه، أما إذا بدأنا بهذه النواتج ذاتها، ولم نحاول أن نردها إلى أساس سابق؛ فلن نصل إلى أي فهم متعمق، ومن هنا كان انتقاد ستروس للنزعة الوظيفية عند «مالينوفسكي».
هذه الوظيفية كانت تتجلى - على سبيل المثال - في تفسير مالينوفسكي لظاهرة قيام قبائل معينة بتسمية نفسها بأسماء حيوانات؛ إذ كان يرى أن هذا راجع إلى الفائدة المكتسبة من هذه الحيوانات في الحياة اليومية لتلك القبائل، أو إلى أنها كانت تعتمد عليها في مأكلها، وغير ذلك من التفسيرات الوظيفية التي رفضها ليفي ستروس من أساسها. فالبناء سابق على مظاهره، وليست هذه الأفعال الجزئية هي التي تفسر البناء، بل إن البناء هو الذي يفسرها. وقد عبر ستروس عن هذه الفكرة بوضوح حين قال: «في الأنثروبولوجيا ... لا تكون المقارنة هي التي يرتكز عليها الحكم العام، بل إن العكس هو الصحيح. فإذا كان من الصحيح - وهو ما نؤمن به فعلا - أن النشاط اللاواعي للذهن قوامه فرض أشكال على مضمون، وإذا كانت هذه الأشكال في أساسها واحدة بالنسبة إلى جميع الأذهان، تستوي في ذلك القديمة والحديثة البدائية والمتحضرة، وهو ما تدل عليه دراسة الوظيفة الرمزية كما تعبر عنها اللغة، فإنه يكفي المرء عندئذ أن يدرك البناء اللاواعي الكامن من وراء كل نظام اجتماعي
institution
وكل عرف؛ لكي يتوصل إلى مبدأ للتفسير يسري على كل النظم والأعراف الأخرى، شريطة أن نمضي في التحليل بما فيه الكفاية بطبيعة الحال.»
4
هكذا تكتسب لغة ستروس صبغة «كانتية» واضحة، ويصبح تفسير هذه الظواهر من خلال البناء «شرطا لإمكان» هذه الظواهر، أي إن البناءات هي التي تفرض على الظواهر المتباينة والكثيرة تنظيمها وترتيبها الخاص، بل هي التي تجعلها ممكنة. ولقد كان هذا التشابه الواضح مع مذهب كانت هو الذي دعا الفيلسوف «ريكير
Ricoeur » إلى أن يصف بنائية ستروس بأنها «مذهب كانتي بدون ذات ترنسندنتالية»
5
صحيح أن زوال الذات الترنسندنتالية يعني فقدان عنصر أساسي في مذهب كانت؛ لأن هذه الذات، بما لديها من صور الحساسية ومقولات الفهم، هي التي تعطي العالم مظهره القابل للمعرفة، ولكن يظل من الصحيح أيضا أن بناءات ليفي ستروس، وعلاقتها بالظواهر الاجتماعية التي تفترضها مقدما، مشابهة للصور الذهنية التي هي بمثابة القوالب لكل موضوع نعرفه في العالم، كما قال بها كانت، وإن هذا التشابه يصل إلى حد لا يمكن تجاهله.
على أن هذه النزعة الفلسفية الواضحة لدى ليفي ستروس، إذا كانت تضفي مزيدا من العمق على أعماله الأنثروبولوجية، وتصبغها بطابع فريد لا نجد له نظيرا بين غيره من المشتغلين في هذا الميدان، فقد كانت هي ذاتها السبب الأكبر في النقد الذي تعرض له. ومما يلفت النظر أن هذا النقد لم يأت من جانب المشتغلين بالأنثروبولوجيا وحدهم؛ فعلى حين أن هؤلاء لم يقتنعوا بالاتجاه الفلسفي الواضح في كتابات ستروس العلمية، نجد أن الفلاسفة بدورهم قد دخلوا معه في حوار حاد وجهوا فيه انتقاداتهم إلى الركائز الأساسية لتفكيره، وإلى الأهداف التي يتجه إليها عمله العلمي بوجه عام. وسوف نبحث كلا من اتجاهي النقد هذين، العلمي والفلسفي، على حدة.
Halaman tidak diketahui