Jawhar Shaffaf
الجوهر الشفاف الملتقط من مغاصات الكشاف
Genre-genre
قال رضي الله عنه: أمروا بالعبادة والازدياد منها والثبات عليها، وقد كثر الله تعالى في كتابه النداء على هذه الطريقة لأن كل ما نادى الله له عباده من أوامره ونواهيه وعظاته وزواجره واقتصاص أخبار الأمام الدارجة مما أنطق به كتابه أمور عظام وخطوب جسام، ومعان عليهم أن يتيقظوا ويميلوا بقلوبهم وبصائرهم إليها، وهم عنها غافلون فاقتضت الحال أن ينادوا بما فيه تأكيد وبلاغ {الذي خلقكم} أي: ابتداكم ولم تكونوا شيئا فقد صوركم وسواكم، {والذين من قبلكم} أي: وابتدأ الذين من قبلكم من الأمم السابقة والمعنى أن عبادة الخالق أولى من عبادة المخلوق، وهو الصنم {لعلكم تتقون} أي: لكي تتقوا بعبادته عقوبته أن تحل بكم، وقيل: أنها بمعنى الترجي ومعناها اعبدوا الله راجين التقوى ولأن تقوا أنفسكم بالعبادة من عذاب ربكم وهو قول سيبويه {الذي جعل لكم الأرض فراشا} أي: بساطا ولم يجعلها حزنة غليظة لا يمكن الاستقرار عليها بل جعلها وطية تقعدون عليها وتنامون وتتقلبون كما يتقلب أحدكم على بساطه وفراشه، {والسماء بناء} أي: سقفا مبينا مرفوعا على وجه لا يسقط عليكم {وأنزل من السماء ماء} وهو المطر {فأخرج به من الثمرات رزقا لكم} يعني جميع الأشجار وجميع ما ينتفع به مما يخرج من الأرض، ومعنى إخراج الثمرات بالماء مع القدرة على إخراجها بعيره أنه جعل الماء سببا لخروجها ومادة لها كماء الرجل في خلق الولد، وهو قادر على إنشاء الأجناس بلا أسباب ولا مواد لكن له تعالى في أصلها مدرجة من حال إلى حال ومنقولة من مرتبة إلى مرتبة حكما ودواعي يحدد فيها لملائكته، وإنذار من عباده عبرا وأفكارا صالحة وزيادة طمأنينة وسكون إلى عظيم قدرته وباهر حكمته وغريب صنعه ليس ذلك يتفق في إنشائها بغتة واحدة من غير ترتيب وتدريج {فلا تجعلوا لله أندادا} أي: أمثالا من الأصنام التي تعبدونها لأن أصل العبادة التوحيد، ولم يكونوا يعتقدون أن أصنامهم تخالف الله تعالى لكن لما عظموها وسموها آلهة قيل لهم ذلك على سبيل التهكم {وأنتم تعلمون} أي: وأنتم من أهل العلم والدهاء والمعرفة بأنهم لا يخلقون.
قال رضي الله عنه: في هذه الآية قدم الله سبحانه من موجبات عبادته وملزمات حق الشكر له خلقهم أحياء قادرين أولا لأنه سابقه أصول النعم ومقدمتها والسبب في التمكن في العبادة والشكر وغيرهما، ثم خلق الأرض التي هي مكانهم ومستقرهم الذي لا بد لهم منه، وهي بمنزلة عرصة المسكن ومتقلبه ومفترشه، ثم خلق السماء التي هي كالقبة المضروبة والخيمة المطنبة على هذا القرار، ثم ما سواه عز وجل من شبه النكاح بين المقلة والمظلة بإنزال الماء منها عليها، والإخراج به من بطنها إشباه النسل المنتج من الحيوان من ألوان الثمار رزقا لبني آدم ليكون لهم ذلك معتبرا ومستلقا إلى النظر الموصل إلى التوحيد والاعتراف ونعمة يتعرفونها فيقابلونها بلازم الشكر ويتفكرون في خلق أنفسهم وخلق ما فوقهم وتحتهم، وإن شيئا من هذه المخلوقات كلها لا يقدر على إيجاد شيء منها، فتيقنوا عند ذلك أن لا بد لها من خالق ليس كمثلها حتى لا يجعلوا المخلوقات له أندادا، وهم يعلمون أنها لا تقدر على نحو ما عليه قادر.
قال رضي الله عنه: وهكذا كانت العرب خاصة ساكنو الحرم من قريش وكنانة فإنهم كانوا لا يصطلى بنارهم في أحكام المعرفة بالأمور وحسن الإحاطة بها، ولهم معرفة بدقائق الأمور وفطنة زائدة في تدبير دنياهم، ولما احتج الله عليهم بما يثبت الوحدانية ويحققها، ويبطل الشرك ويهدمه وعرفهم أن من أشرك فقد كابر عقله وغطا ما أنعم الله به عليه من معرفته عطف على ذلك الحجة على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما يدحض الشبهة في كون القرآن معجزة، وأراهم كيف يتعرفون أهو من عند الله كما يدعي محمد أم هو من عند نفسه كما يدعون وأمرهم أن يروضوا أنفسهم ويذوقوا أضلعهم وهم أبناء جنسه وأهل بلدته فقال:
Halaman 35