181

[آل عمران: 113 - 114]، وقوله:

ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا مآ أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنآ آمنا فاكتبنا مع الشاهدين

[المائدة: 82 - 83].

فإن كلتا الطائفتين على استعداد لتلقي هداية الحق والاستجابة له والانضمام إليه، لأنهم كانوا جميعا مشمئزين مما عليه أقوامهم من الكفر والضلال، ومتطلعين إلى شعاع من الهدى يلوح لهم فينير لهم الطريق، فهم جديرون بوصف التقوى، لأنهم زكت فطرهم فأصابت عقولهم ضربا من الرشاد، واستعدت لتلقي نور الحق الذي يحملها على توقي سخط الله واتباع مرضاته. فالطائفتان هما - في نظر الامام - أحرى بالوصف الذي في قوله سبحانه: { الذين يؤمنون بالغيب.. } " الآية " ، وأما الموصوفون في هذه الآية فهم عنده الذين تحققت هدايتهم، ووصلوا إلى الغاية التي ينشدونها، إذ آمنوا فعلا بالرسول واتبعوا النور الذي جاء به، فهم أرقى درجة في الخير، وأبعد مدى في الهدى، واستدل الأستاذ للتغاير بينهما بمثل ما استدل به العلامة ابن عاشور، وهو إعادة لفظ الموصول معطوفا، كما استأنس لرأيه بتكرار اسم الاشارة مع العطف في قوله تعالى بعد ذلك:

أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون

[البقرة: 5].

الرأي الراجح في هذه الأقوال:

هذا؛ وقد تأملت هذه الأقوال وتتبعت أدلتها؛ فوجدت في نفسي ميلا إلى رأي من يرى أن هذه الصفات التي ذكرت في هذه الآيات؛ هي لطائفة واحدة وهم المتقون حقا، الذين صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا النور الذي جاء به والتزموا منهاج الحق، فإن هذه الصفات هي صفات التقوى التي لا تنفك عن المتقين ولا ينفكون عنها، ولا داعي للتفرقة بين من كان من قبل على جاهلية العرب أو على ملة كتابية، بحيث يعد بعض هذه الأوصاف خاصة بأهل الكتاب، والبعض الآخر خاصا بمؤمني العرب، فإن الجميع انصهروا في بوتقة الايمان، وصاروا كالجسد الواحد، وهم مخاطبون بالايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالنبيين من قبله وبما أنزل إليه وإليهم، كما في قوله تعالى:

قولوا آمنا بالله ومآ أنزل إلينا ومآ أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ومآ أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون

[البقرة: 136]، وهذا الايمان بجميع النبوات وكل ما أنزل على النبيين هو الذي وصف الله به رسوله والمؤمنين في قوله:

Halaman tidak diketahui