فقد اصطلحت عليه أسباب كثيرة توهي من إرادته وتعرضه للعجز عن مقاومة هذه المحنة التي غلبته على رأيه.
فكان مدللا قليل التمرس بالمصاعب كما يغلب على عامة المدللين، وكان وسيما تميل به وسامته إلى التصدي لهذه الأهواء والتفرغ لها والوقوف على طريقها، وكان المزاج الفني - أو مزاج الشاعرية - معوانا له على التمادي في هذه الغواية واستيحاء المقاصد الشعرية منها، وبخاصة حين أغناه اليسار عن معالجة الشعر في أبواب المديح والرحلة إلى الأمراء والرؤساء، وكان فارغ الوقت لا تملأه الشواغل بما ينسيه أو يسليه أو يقسم وقته بين عمله وهواه، وكان مع هذا ضعيف الرأي قليل الحزم كما ذكرنا في فصل آخر من فصول هذه الرسالة، وهي أسباب في جملتها كافية لتعليل تلك الندرة التي جعلته من أبطال العشق المعدودين في آداب اللغة العربية، ويضاف إليها العصر وأثره والبيئة وحكمها، وكلاهما كان مما يمد في دواعي هذه الفتنة، وينحي بينه وبين وسائل الخلاص منها.
وقصة هواه لبثينة قصة من أراد الوقوع في الهوى، ثم وقع فيه، وليست بقصة من أوقعته المصادفة وحاول الخلاص من البداية فامتنع عليه.
فكان في أول عهده بالعشق يهوى «أم الجسير» أخت بثينة الكبيرة، ثم لقي بثينة فشتمته واستملح شتمها، فانصرف من تلك اللحظة عن أختها إليها، وذلك إذ يقول:
وأول ما قاد المودة بيننا
بوادي بغيض يا بثين سباب
وربما دل ذلك على خليقة من الخلائق التي نفهم بها لجاجته في علاقته الغرامية على نحو يندر جدا بين الأقوياء ذوي الغلبة من الرجال.
فمن خلائق بعض الضعفاء أن تغريهم الإساءة والحرمان، وتزيدهم كلفا على كلف بمن أحبوا من النساء، ولا سيما المرأة التي تحسن أن تمزج المنع بالإغراء والإطماع بالإقصاء، وفي هذا يقول من قصيدة أخرى:
ولست على بذل الصفاء هويتها
ولكن سبتني بالدلال وبالبخل
Halaman tidak diketahui