إن سأل سائل فقال: من أين جاز أن تكون (¬1) قصص الأنبياء ويعاد ذكرها في القرآن؟ وما وجه الحكمة في ذلك؟ والتكرار عند الفصحاء غير جائز؟ وقد تجد القصة الواحدة لبعض الأنبياء قد كررت وأعيدت في غير موضع في القرآن؟ يقال له: إن لله جل ثناؤه في إعادتها حكمة لطيفة، وهو أن الرجل إذا سمع الموعظة لم يعد عليه ذكرها خفي عليه قدرها وذهب عليه فضلها، فإذا وعظ بها مرة بعد مرة صارت نصيبا (¬2) لخاطره وفكره ووفقا على همه وذكره، ولذلك صارت الخطباء تعيد الموعظة الواحدة في كل مقام ومشهد، وتردد القصة في كل محفل ولا يسمى ذلك عيبا. (¬3) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يردد الآية من القرآن مرارا. قال الله جل ذكره: { ?ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } (¬4) ولم يقل تقرؤوا آياته فتكون قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة مجزية عن إعادة ذكرها حالا بعد حال، بل قد ذم (من) (¬5) يمر بالآيات فلا يتدبرها، ويرى المعجزات فلا يتأملها، فقال جل ذكره: ? { وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون } ، (¬6) وقد ذكر بعض العلماء أن إعادة قصص الأنبياء في القرآن وذكر أخبارهم عليهم السلام بخروجها (¬7) إلى المواضع المختلفة ودخول الناس في المواضع القاصية قوما بعد قوم، فاحتج بما عليه فصحاء العرب من الخطباء والشعراء أنهم يعيدون الخطبة والشعر ليسمعه من لم يكن سمعه، ولو لم يعيدوا ذلك لفات المتأخر ولم يسمعه إلا من شاهده في أول. وهذا أيضا وجه من الصواب إن شاء الله.
مسألة
¬__________
(¬1) في (ب) و (ج) تعاد.
(¬2) في (ب) و (ج) نصبا.
(¬3) في (أ) و (ب) و (ج) عيا.
(¬4) سورة ص: 29 أول الآية: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته" الآية.
(¬5) من (ب) و (ج).
(¬6) يوسف: 105.
(¬7) من (ج) و (أ) لخروجها.
Halaman 110