194

Jalis Salih

الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي

Editor

عبد الكريم سامي الجندي

Penerbit

دار الكتب العلمية

Nombor Edisi

الأولى ١٤٢٦ هـ

Tahun Penerbitan

٢٠٠٥ م

Lokasi Penerbit

بيروت - لبنان

الْعِنَاقَ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ عَانَقَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ إِبْرَاهِيمُ ﷺ، فَإِنَّهُ خَرَجَ يَرْتَادُ لِمَاشِيَتِهِ بجبلٍ مِنْ جِبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إِذْ سَمِعَ صَوْتَ مقدسٍ يُقَدِّسُ اللَّهَ ﷿، فَذُهِلَ عَمَّا كَانَ يَطْلُبُ، فَقَصَدَ ذَلِكَ الصَّوْتَ، فَإِذَا هُوَ بِشَيْخٍ طُولُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: يَا شَيْخُ! مَنْ رَبُّكَ؟ قَالَ: مَنْ فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَمَنْ رَبُّ مَنْ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: ألها رب غَيره؟ قَالَ: فَمَنْ رَبُّ مَنْ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ، قَالَ: أَلَهَا رَبٌّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: مَالهَا رَبٌّ غَيْرُهُ، وَهُوَ رَبُّ مَنْ فِيهَا وَرَبُّ مَنْ تَحْتَهَا وَمَنْ فَوْقَهَا، لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَيْنَ قِبْلَتُكَ؟ فَأَوْمَأَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَسَأَلَهُ عَنْ طَعَامِهِ، قَالَ: أَجْمَعُ مِنْ هَذَا التَّمْرِ فِي الصَّيْفِ فَآكُلُهُ فِي الشِّتَاءِ، فَقَالَ: مَا بَقِيَ مَعَكَ مِنْ قَوْمِكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: لَا أعلم أحدٌ بَقِيَ مِنْ قَوْمِي غَيْرِي، قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﵇: أَيْنَ مَنْزِلُكَ؟ قَالَ: فِي تِلْكَ الْمَغَارَةِ قَالَ: أَفَتُرِينَا بَيْتَكَ، قَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَهُ وادٍ لَا يُخَاضُ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَيْفَ تَعْبُرُهُ؟ قَالَ: أَمْشِي عَلَيْهِ ذَاهِبًا وَأَمْشِي عَلَيْهِ جَائِيًا، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: فَانْطَلِقْ بِنَا لَعَلَّ الَّذِي ذَلَّلَهُ لَكَ أَنْ يُذَلِّلَهُ لِي، قَالَ: فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَيْهِ، فَمَشَيَا عَلَيْهِ، كُلُّ وَاحِدٍ يَتَعَجَّبُ مِمَّا أُوتِيَ صَاحِبُهُ، فَلَمَّا دَخَلا الْمَغَارَةَ إِذَا قِبْلَتُهُ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ ﵇، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَيُّ يومٍ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى أَشَدُّ؟ قَالَ الشَّيْخُ: يَوْمُ الدِّينِ، يَوْمَ يَضَعُ كُرْسِيَّهُ، يَوْمَ تُؤْمَرُ جَهَنَّمُ فَتَزْفُرُ زَفْرَةً فَلا يَبْقَى نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ إِلا تَهُمُّهُ نَفْسُهُ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا شَيْخُ! ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يُؤَمِّنِّي وَإِيَّاكَ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَقَالَ الشَّيْخُ: وَمَا تَصْنَعُ بِدُعَائِي، إِنَّ لِي فِي السَّمَاءِ دَعْوَةً مَحْبُوسَةً مُنْذُ ثَلاثِ سِنِينَ، قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: ألأا أُخْبِرُكَ بِمَا حَبَسَ دَعْوَتَكَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا حَبَسَ دَعَوَاتِهِ لِحُبِّ صَوْتِهِ، ثُمَّ يُجِيبُهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا عَجَّلَ لَهُ الْحَاجَةَ وَأَلْقَى الْيَأْسَ فِي صَدْرِهِ لِبُغْضِ صَوْتِهِ، مَا دَعْوَتُكَ يَا شَيْخُ الَّتِي فِي السَّمَاءِ مَحْبُوسَةٌ؟ قَالَ: مر بِي هَاهُنَا شَابُّ فِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ مُنْذُ ثَلَاث سِنِينَ وَمَعَهُ غنمٌ كَأَنَّهَا حَشَفٌ، وبقرٌ كَأَنَّهَا حَفِيَتْ ...
قَالَ الْقَاضِي: هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ وَأَحْسَبُهُ حَفِلَتْ أَيْ جُمِعَ اللَّبَنُ فِي ضُرُوعِهَا وَأُخِّرَ حِلابُهَا، قُلْتُ: لِمَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: لِخَلِيلِ الرَّحْمَنِ إِبْرَاهِيمَ، قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لَكَ فِي الأَرْضِ خليلٌ فَأَرِنِيهِ قَبْلَ خُرُوجِي مِنَ الدُّنْيَا، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكَ، فَاعْتَنَقَا، فيومئذٍ كَانَ أَصْلُ الْمُعَانَقَةِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ السُّجُودُ هَذَا لِهَذَا وَهَذَا لِهَذَا، ثُمَّ جَاءَ الصِّفَاحُ مَعَ الإِسْلامِ فَلَمْ يَسْجُدُوا وَلَمْ يُعَانِقُوا، وَلا تَتَفَرَّقُ الأَصَابِعُ حَتَّى يَغْفِرَ اللَّهُ لِكُلِّ مُصَافِحٍ.
التَّعْلِيق عَلَى الْخَبَر الإصْر، الذِّرَاع
قَالَ القَاضِي: الْحَمد للَّه الَّذِي وضع عَنَّا الآصار، والآصار: جمعُ إصْر، وَهُوَ الْعَهْد، وَأَصله الثُّقْل، قَالَ اللَّهُ ﷿: " رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ من قبلنَا " يَعْنِي التَّشْدِيد فِي الْعِبادة، والتثقيل فِي الشَّرِيعَة، وقَالَ تَعَالَى ذكره: " وأخذتم على ذَلِكُم إصري " أَيْ عَهْدي، وَقَالَ جلّ ثَنَاؤُهُ: " وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي

1 / 198