وكما اختلف الناس في حقيقته التاريخية، واختلفوا في مولده مكانا وزمانا، واختلفوا في اسمه، فكذلك اختلفوا في أمره وإلى أي فئة أو مذهب ينتمي: «فقالت الشيعة إنه من كبارهم ... وزعم قوم من الفلاسفة أنه كان منهم، وله في المنطق والفلسفة مصنفات؛ وزعم أهل صناعة الذهب والفضة أن الرياسة انتهت إليه في عصره، وأن أمره كان مكتوما.»
14
وحقيقة الأمر - كما سنرى في غضون هذا الكتاب - أنه كان الثلاثة معا: فهو من الشيعة سياسة، وهو من الفلاسفة جدلا، وهو من الكيمويين علما، ثم هو فوق هذا وهذا وذلك صوفي، حتى لقد لصقت صفة الصوفية باسمه كأنما هي جزء منه، فيدعى حيثما ورد ذكره جابر بن حيان الصوفي.
وإن جابرا ليتصل ذكره برجلين هما: خالد بن يزيد بن معاوية (توفي 704م)، وجعفر الصادق (700-765م تقريبا).
أما أولهما: «فهو أول من تكلم في علم الكيمياء ووضع فيها الكتب ... ونظر في كتب الفلاسفة من أهل الإسلام»
15
وقد أخذ جابر عن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان العلم،
16
وإن تكن شهرة جابر فيما بعد قد ألقت ظلا كثيفا على أستاذه.
ويروي ابن النديم عن خالد بن أبي سفيان أنه لم يكن هو الذي ترك الخلافة، ولكن الخلافة هي التي صرفت عنه واختزلت دونه؛ فقد جاء في الفهرست عن خالد أنه: «أول من ترجم له كتب الطب والنجوم وكتب الكيمياء، وكان جوادا. يقال إنه قيل له: لقد فعلت أكثر شغلك في طلب الصنعة (الكيمياء)، فقال خالد: ما أطلب بذاك إلا أن أغني أصحابي وإخواني، إني طمعت في الخلافة فاختزلت دوني فلم أجد منها عوضا إلا أن أبلغ آخر هذه الصناعة (الكيمياء)، فلا أحوج أحدا عرفني يوما أو عرفته إلى أن يقف بباب سلطان رغبة أو رهبة، ويقال - والله أعلم - إنه صح له عمل الصناعة، وله في ذلك عدة كتب ورسائل ...»
Halaman tidak diketahui