9
أما صفة «الكوفي» الذي ينعت بها في روايات كثيرة
10
فليست تدل على مكان مولده، ولكنها ترجع إلى مقامه فيها زمنا - وعلى كل حال فليس الأمر مقطوعا فيه برأي - فيقول ابن النديم: «وزعموا (أي الشيعة) أنه كان من أهل الكوفة ... وحدثني بعض الثقات ممن تعاطى الصنعة (أي الكيمياء) أنه كان ينزل في شارع باب الشام في درب يعرف بدرب الذهب (وذلك في الكوفة)، وقال لي هذا الرجل إن جابرا كان أكثر مقامه بالكوفة ... لصحة هوائها.»
11
وتمضي الرواية فتقول إنه قد حدث بعد وفاة جابر أن هدمت الدور في الحي الذي كان يسكنه، فكشفت الأنقاض عن الموضع الذي كان فيه منزله، ووجد معمله، كما وجد هاون من الذهب يزن مائتي رطل، وتقول الرواية إن هذا حدث في أيام عز الدولة ابن معز الدولة، والظاهر أن ما قد دعا جابرا إلى الإقامة في الكوفة زمنا، هو فراره من خطر كان محدقا به في عهد هارون الرشيد، والقصة - كما يرويها الجلدكي
12 - هي أنه: «قد أفضى بأسرار صناعته إلى هارون الرشيد وإلى يحيى البرمكي وابنيه: الفضل وجعفر، حتى لقد كان ذلك سببا في غناهم وثروتهم؛ فلما ساورت الرشيد الشكوك في البرامكة، وعرف أن غرضهم هو نقل الخلافة إلى العلويين، مستعينين على ذلك بمالهم وجاههم، قتلهم عن آخرهم، فاضطر جابر بن حيان أن يهرب إلى الكوفة خوفا على حياته، حيث ظل مختبئا حتى أيام المأمون، فظهر بعد احتجابه.»
وها هنا تنهض أمامنا نقطة أخرى من نقط الاختلاف عن حياة جابر، وهي تاريخ مولده؛ فعلاقته بالبرامكة - في عهد هارون الرشيد - يكاد يكون عليها إجماع، فإذا ذكرنا أن البرامكة قد لبثوا يتمتعون بثقة هارون الرشيد سبعة عشر عاما، منذ ولايته سنة 786 حتى سنة 803م - قبل موته بستة أعوام - تبين لنا خطأ التاريخ الذي ذكره حاجي خليفة في «كشف الظنون» من أنه قد توفي سنة 160ه (أي ما بين سنتي 776 و777م)، فلو فرضنا أن ولاية هارون الرشيد قد أدركت جابرا في صدر رجولته، كانت ولادته حوالي 750م أو قبل ذلك؛ وإذن فيمكن القول على وجه يقرب من اليقين أنه عاش خلال النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي والجزء الأول من القرن التاسع؛ وعن ذلك يقول هولميارد
13
الذي عني بدراسته: أن حياته امتدت خلال الشطر الأكبر من القرن الثامن.
Halaman tidak diketahui