301

وقد وصفها أمير المؤمنين عليه السلام بأحسن وصف حين سمع رجلا يذمها، فلما أطنب الرجل في ذلك قال عليه السلام: "أيها الذام للدنيا، أنت المجترم عليها ؟ أم هي المجترمة عليك ؟ قال: بل أنا يا أمير المؤمنين. فقال: ويحك ففيم تذمها ؟ أليست منزلة صدق لمن صدقها ؟ ودار عمل لمن تزود منها ؟ ودار عاقبة لمن فهم عنها ؟ مسجد أولياء الله، ومصلى أنبيائه، ومهبط وحيه، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها وقد أذنت ببينها، ونادت بانقطاعها، ونعتت نفسها لأهلها، فمثلت ببلائها البلاء وشوقت بسرورها إلى السرور، وراحت بفجيعة، وابتكرت بعافية، فذمها رجال يوم الندامة، وحمدها آخرون حدثتهم فصدقوا، وذكرتهم فذكروا، فيا أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها متى استذمت لك ؟ بل متى غرتك بمصارع آبائك من البلاء ؟ أم بمصارع أمهاتك تحت الثرى ؟ كم عللت بيدك. وكم رضيت بكفك تلتمس لهم الشفاء، وتستوصف لهم الأطباء، لم تشفع بشفاعتك، ولم تستغن بطلبتك، مثلت لك الدنيا بمضجعه مضجعك، وبمصرعه غدا مصرعك، حتى ما يغني بكاؤك، ولا ينفع أحباؤك، ثم التفت إلى الحسن فقال: إن قوما يذمون الدنيا وهي راحلتهم إلى الآخرة) (1).

Halaman 308